خالد بن حمد المالك
فاجأني خبر وفاة الزميل الكبير محمد العجيان، ليس لأني أستبعد الموت، أو أتوقع أنه لم يحن موعده بعد في رجل عانى من المرض طويلاً، وبقي سنوات يتجرع مرارته دون أن تكون لديه القدرة ليتكلم ويبوح وينطق بما يشعر به في داخله، أكثر من إطلاقه إشارات وهمهمات لا يفهم المستمع منها شيئاً، ولا تقدم إلا المزيد من الحزن على ما آل إليه الوضع الصحي لإنسان كان ذا صوت مجلجل وضحكة عالية ونقاش مع الناس في كل موضوع يثار في هذا المجلس أو ذاك المكان.
* *
كان وضع أبي خالد محمد العجيان مع تمكن المرض منه يحرّك في المرء كمَّاً كبيراً من الحزن، فبقدر مرارة المرض، فقد كان صابراً محتسباً، مؤمناً بقضاء الله وقدره، فتعايش مع حالته الصحية على مدى سنوات، بما لا يشعر جلساءه بأنهم أمام شخصية فقدت مصادر تألقها الذي كان، وقوتها التي مضت، ونضالها الثقافي والإعلامي والاجتماعي الذي كان فيه الفقيد أحد الرموز المؤثرين، وذلك الإنسان المبدع والمجدد والرائد، وصاحب الخطوات التي تميزت فيها رحلته الإعلامية بكل هذا التفوق والجدارة والابتكار.
* *
ربما مرت وفاة مثل محمد العجيان على جيل الصحفيين الجدد مروراً سريعاً، فتعامل مع هذا الغياب لأحد رموز الصحافة تعامل من لا يعرف مكانته ودوره وتأثيره وقيادته للصحافة، وزمالته للرموز الكبار الذين ولدت صناعة الصحافة على أيديهم وبأفكارهم، لكن على وسائل الإعلام أن تعطي الفقيد حقه، تعرّف به، وتذّكر بمناقبه، وتشير إلى كل ما كان قد تميز به، صحفياً ورئيساً للتحرير، وصاحب مشروعات إعلامية كثيرة، وأفكار إبداعية كان فيها متميزاً.
* *
وربما جاءت وفاته دون تحضير الصحافة لما يجب أن يكتب عنه، أو أن مصادر المعلومات المتاحة لم ترصد كل ما يجب أن يقال عنه، لكن هذا لا يعفي الزملاء والباحثين من تتبع رحلة ومسيرة العجيان مع الكلمة والقلم والرأي المستنير الذي كان يتمتع به، حتى وإن كان قد أخفاه المرض في السنوات الأخيرة عن الحضور البهي الذي كان عليه، حتى وإن أعجزه وضعه الصحي الصعب أن يواصل خدمة الرسالة التي رهن نفسه لها من خلال الصحافة، وقد كان نجماً بارزاً ومتألقاً فيها.
* *
وللحق فقد كان محمد العجيان مظلوماً، فلم يأخذ حقه أو بعض حقه، ولم يُعطَ ما يتناسب مع عمل خلاّق كان يتميز به بين الإعلاميين المبدعين من زملائه، فظل هكذا ضمن جنود الصحافة المجهولين، إلا لمن كان قريباً منه أو زامله أو تتلمذ على يديه، أو كان رئيساً أو مرؤوساً في إحدى صحفنا المحلية، إلى أن انقطعت صلته بالصحافة، وتوقف نبض قلمه مع توقف قدرة جسمه على الحركة بعد الجلطة التي تعرض لها قبل سنوات.
* *
إن أفضل مواساة لأبنائه وأسرته بعد الدعاء للفقيد الغالي، أن يُكتب عن الفقيد ما يصور دوره وتأثيره إعلامياً حين كان في كامل نشاطه وحيويته، وأن توثق إنجازاته، وأن يُقال ويُكتب عنه بما يستحق، وما أكثر الأعمال الكبيرة والمهمة التي كان فيها زميلنا محمد العجيان متفوقاً، وصاحب ريادة، فقد تميز مشواره بما أحسبُ أنه يستحق أن يعّرف به، ويُلقي الضوء عليه، ولا يُترك دون اهتمام فيكون مصيره النسيان أو الجهل به، وحقه علينا - وقدم مات دون أن يأخذ حقه في حياته- أن يتم تكريمه ولو بعد وفاته، باستحضار ما هو جدير من الأعمال التي تستحق أن يتم حفظها من الضياع.
* *
يا أبا خالد، لقد قصرنا في حقك، وأخذتنا مشاغل الحياة من أن نتواصل معك، ونسينا مع زحمة العمل، أن صحفياً مبدعاً كان هنا، فاعذرنا نحن المقصرين، أما من كانوا من الزملاء على تواصل دائم معك في رحلة المرض، وهم كثر كما أعرف، فهؤلاء لم يفعلوا مشكورين ما فعلوه إلا لأن لك عند الجميع مكانة تليق بخلقك وإنسانيتك وصفاء سريرتك، فلك أيها الحبيب منا كل دعواتنا بالرحمة والمغفرة وجنات النعيم، مقرونة بأحر التعازي القلبية للأسرة الكريمة في هذا المصاب الجلل، سائلا الله أن يلهمهم ويلهم محبيه وأصدقاءه وزملاءه الصبر، ويعظم الله الأجر للجميع، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.