أ.د.عثمان بن صالح العامر
أشرت في مقال الجمعة إلى أن في الدنيا حقًا واحدًا وباطلاً متعددًا، مضموناً وشكلا، وبيّنت في ثنايا ما كتبت سبب اختلاف الناس في اعتبار أن هذا حق والآخر باطل، وذكرت -في معرض الحديث عن هذه الإشكالية المتجذرة في التفكير البشري- مواقع الناس في خارطة التصنيف على هذا الأساس، وختمت المقال بالإشارة العجلى إلى أن الإسلام وضع قواعد عامة تقي من الإصابة بعمى الألوان الذي يتعرض له البعض منا اليوم جراء عدم القدرة على التفريق بين طرفي المعادلة الأصعب في الحياة «الحق» من جهة، و«الباطل» من جهة أخرى، ولصعوبة الوقوف على جميع هذه القواعد في مقال مثل هذا، أذكر من باب مناسبة الحال للمقال قول الله عز وجل: وَإذَا جَاءَهُم أمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَو الخَوْفِ أذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُم لَعَلِمَهُ الذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُم وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلا قَلِيْلا .
هنا توجيه رباني لنا في مثل ما نعايشه اليوم مما اصطلح على تسميته بـ»الأزمة الخليجية»، إذ الواجب أن تكون مرجعيتنا فيما نصدق وننقل ما يصدر من ولاة الأمر مباشرة أو من يخولونه بالتحدث والتصريح في مستجدات هذه الأزمة، فهم من يُردُّ الأمر لهم «المرجعية الشرعية» في مثل هذه الأحداث، وهم أهل الذكر الذين نتوجه إليهم بالسؤال للاستيثاق والتأكد فيما ينقل عنهم ويقال، ويدخل في هذا تباعاً هيئة كبار العلماء الذين يدركون بما حباهم الله من بصيرة ما الواجب على المواطن في مثل هذه الأحداث، وكذا من هم قريبون من صانع القرار ومتخذه.
لقد كشفت التقارير الرسمية والمخاطبات والمكالمات الثنائية عظم حجم دسائس ساسة قطر وشناعة مكرهم لأعز المقدسات وأشرف البقاع بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية وقادتها وأهلها، وما تخفي صدورهم أكبر، مع أن قادة المملكة وشعبها من أكثر أهل الأرض تسامحاً معهم وعطفاً عليهم ومودة لهم وقربى، وقد اتخذ هؤلاء المبتورون الساعون لقلب الحقائق والتزييف على الناس العالم الافتراضي مطية للكذب والدجل الذي لا يخفى، فصارت السوشيل ميديا ميداناً للمنازلة والصراع بين الحق والباطل، والواجب علينا -خاصة قراء تويتر وعشاق مواقع التواصل الاجتماعي- أخذ الحيطة والحذر من أصحاب الحسابات السوداء والمصفقين لهم والملبين معهم الساعين ما وسعهم ذلك الباذلين جهدهم ووقتهم وذهنهم للتشويش على الناس والتلبيس عليهم في قلب الحق باطلا وجعل الباطل حقا، وما فريتهم بتسييس الحج ومطالبتهم بالتدويل -التي سبق أن كتبت عنها الأسبوع الماضي- و... و... إلا غيض من فيض وما خفي أعظم.
حفظ الله حجاج بيت الله الحرام، ووفقهم لأداء مناسكهم بأمن وأمان، وجزى الله بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية كل خير على ما تبذله من جهد وما تنفقه من مال من أجل راحة الحجيج وسلامتهم، وأعان وزراءنا وعلماءنا ورجال أمننا على القيام بما ندبهم خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين للقيام به، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.