فهد بن جليد
لا يمكن أن تتخيل مستوى الاحترافية والجاهزية التي يجب أن يكون عليها عمال النظافة داخل المشاعر المقدسة، سابقاً كنت أعتقد أن ما يقوم به هؤلاء أمر بسيط شبيه بما يتم في أي بقعة في العالم، ولكنني -بالأمس- حضرت فرضية تدريبية داخل منشأة الجمرات لمئات العمال، غيَّرت كثيراً من نظرتي لعمل هؤلاء، والطُرق التأهيلية والتدريبية التي يخضعون لها، والمعايير التي يجب أن يلتزموا بها أثناء أداء مهامهم المُلتصقة والمُتداخلة مع أعمال ملايين الحجاج اليومية. سبعة آلاف عامل يقيمون داخل المشاعر المقدسة ويعملون بها على مدار الساعة, من أصل أكثر من 13 ألف عامل في العاصمة المُقدسة هم على دراية احترافية بكيفية التحرك مع الحجيج بطريقة انسيابية، حتى يتمكنوا من أداء أعمالهم بكل نجاح وفق فرضيات قبلية لمُختلف الظروف المتوقعة من الأمطار والحرائق وغيرها -لا سمح الله-.
خصوصية تنظيف وتهيئة المشاعر المقدسة والتدخل السريع لإزالة المُخلفات لهذه المُدن المليونية التي يتم شغلها بالسكان من مختلف الثقافات، من خلال الكوادر البشرية المزودة بأحدث الآليات، وأفضل طرق وأساليب الكبس الحديثة، قصة نجاح أخرى تضاف لسلسلة من النجاحات الفريدة المُتلاحقة التي تقدمها دولتنا - أعزَّها الله - لخدمة ضيوف الرحمن والعناية بالمقدسات، فعلينا ألا نستهين بعملهم أو نعتقد أن المهام التي يؤدونها بسيطة فهي عملية مُضنية وشاقة تتم بشكل دقيق وفريد على مستوى إدارة الحشود.
عندما سألت أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة البار عن جهودهم قال نحن نعمل بطريقة ديناميكية متواصلة بالتهيئة القبلية والتعامل الفوري أثناء الموسم وأداء الحاج لنُسكه حتى لا تقع كوارث بيئية نتيجة تراكم المُخلفات الحيوية ومن ثم التعامل البعدي لتنظيف المشاعر وإزالة ما بقي فيها استعداداً للمواسم المُقبلة. ربما لا يتوقع كثيرون أن عامل النظافة البسيط داخل المشاعر المقدسة مُلزَم باتباع طُرق مُحددة وخطوات مُقنَّنة للغوص وسط الحشود البشرية وفق أحدث المعايير الرقابية المُتبعة من المُشرفين والمُراقبين، من أجل عدم الاصطدام بهذه الأمواج أو التأثير على حركتها، وأن رفع هذه المُخلفات يتم بطريقة هندسية وحسابية احترافية لتوزيع العمال والآليات والمُعدات، وهي أمور قد لا يلاحظها الحاج والمُراقب ولكنها جهود خفية تنعكس على نظافة المشاعر وسلامتها من مُسببات الأوبئة والأمراض. عندما أروي مثل هذه القصص الصغيرة المُجوَّدة، فهي مدعاة لنا للفخر بكل ما يُقدم لصُنع الفارق ووضعنا على أعتاب موسم حج ناجح، بتكاتف جهود جميع القطاعات داخل المشاعر المقدسة، فما أعظمك من بلد، وما أشرفها من مهمة.
وعلى دروب الخير نلتقي.