خالد بن حمد المالك
تردد مؤخراً اسم الشيخ عبدالله بن علي بن عبدالله آل ثاني، وهو الابن التاسع لحاكم قطر السابق الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، وحفيد حاكم قطر السابق عبدالله بن جاسم آل ثاني، وشقيق خامس حكام قطر وهو الشيخ أحمد بن علي آل ثاني، بوصف الشيخ عبدالله أحد الشخصيات القطرية البارزة من سلالة حكام قطر كوسيط لتحرير قطر من أزمتها، ورأب الصدع بينها وبين أشقائها، فأخذ من الأزمة المفتعلة من نظام تميم لمنع الحجاج القطريين مدخلاً لمعالجة نزوات النظام، وصدرت منه إشارات إيجابية، ومواقف تحاول أن تجنب الدوحة هذه المنزلقات، وقام بعمل احترافي لاختراق كل المعوقات، وصولاً إلى إنجاح وساطته، متفاعلاً بذلك مع صوت المواطن القطري الذي آذاه سلوك النظام، وأساء إليه هذا التواجد الأجنبي المكثف في الدوحة الذي يخطط ويرسم وينفذ المؤامرات ضد قطر وجيرانها.
* *
استُقْبِلتْ مبادرة الشيخ عبدالله من المملكة بالترحيب، فقابل الشيخ عبدالله الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، وحدثهما عن توجهه في معالجة الموقف القطري من أزمة الحجاج، ظناً منه بأن نظام تميم سوف يستجيب لوساطته إذا ما وجدت القبول والترحيب والتفهم من الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد، غير أنه أسقط في يديه حين وجد من الملك كل الترحيب، بل وزاد الملك على ذلك بأن وجّه سمو ولي عهده بأن يكون حجاج قطر في ضيافته شخصياً وقدومهم على نفقته، وأمر بتحريك أسطول من الطائرات السعودية لنقلهم مجاناً، وإعفاء من يكون قدومه براً عن طريق معبر سلوى الحدودي بين المملكة وقطر من التصريح الإلكتروني، غير أن التجاوب القطري جاء كما كان متوقعاً، الرفض التام للوساطة، والتشكيك بالوسيط، ومنع المواطنين القطريين من الحج، وأن التوجيه الملكي له مآرب أخرى بحسب فهم النظام القطري القاصر، وأن قطر في غنى عن مجانية الحج لمواطنيها، وأن القطري إذا ما قام بأداء فريضة الحج فسوف يُتهم من المملكة بالإرهاب وتتم مضايقته، وما إلى ذلك من تفاعل نظام تميم الوقح مع مبادرة خادم الحرمين الشريفين.
* *
غير أن كثيراً من المواطنين القطريين ثمنوا للملك سلمان أريحيته، وعبروا الحدود، ووصلوا إلى مكة المكرمة، غير عابئين بتهديد نظام تميم، بأن من يحج سوف تتم محاكمته بعد عودته إلى البلاد، في تصرف أحمق وغير مسؤول من النظام، يضاف إلى سجله في إيذاء المواطنين القطريين والمواطنين في دول مجلس التعاون، ما نحسبه يؤكد من جديد على أن قطر تتم إدارة شؤونها بنظام بائس، يفتقر إلى حسن التصرف، والمعاملة الحسنة، والتجاوب مع كل موقف نبيل، وأنه نظام عاجز عن أن يتعامل بحكمة وعقل، وبما ينسجم مع القوانين والأعراف الدولية، ويلتزم بالمتطلبات التي تكون عادة وعرفاً أساساً للعلاقات الدولية بين الدول، الأمر الذي يجعلنا مع كل موقف سلبي جديد لنظام تميم في ذهول وخوف من أن يكون مصير قطر مستمراً في أخذ هذا المنحى غير السوي في علاقاتها مع جيرانها وأشقائها.
* *
لقد رأينا في نشاط الشيخ عبدالله آل ثاني -وهو سليل الأسرة الحاكمة- بأنه يتصرف كمسؤول غيور على مصالح بلاده، وإن كان ليس ذا صفة في موقع من مواقع المسؤولية في نظام تميم، وأنه يتحدث لمواطنيه وللعالم برؤية رجل حكيم، يحسن القول والتصرف، وعلى استعداد لتحمل مسؤوليته في هذه الأيام العصيبة التي تمر بها الدولة القطرية، وقد عزّ عليه أن يرى بلاده تمر بهذا الوضع الصعب، ولا تكون له كلمة أو رأي أو موقف، يعبر فيها عن تضامنه مع أهله وإخوانه القطريين المهتمين في تخليص البلاد من محنتها، بدلاً من الصمت وعدم المبالاة، والاكتفاء بالتفرج على ضياع قطر، وتكالب المتآمرين عليها وعلى أشقائها.
* *
يقول الشيخ عبدالله إن هدفه في الوساطة تيسير أمور الحجاج القطريين، ثم تسهيل زيارات الشعب القطري لأقاربهم وأهاليهم في المملكة، وتيسير الأمور لأصحاب الحلال والأملاك القطريين لمتابعة شؤونهم، وقد تفاعل ولي العهد الأمير محمد مع وساطتي، كما أكرمني الملك سلمان ليس بقبول شفاعتي فقط، بل أمر فوراً بإنشاء غرفة عمليات خاصة تعمل على مدار الساعة لخدمة الشعب القطري، ووضعها تحت إشرافي، مضيفاً بأن غرفة العمليات الخاصة بخدمة الشعب القطري سوف تتولى جميع طلبات القطريين من حجاج وزوار وأصحاب حلال، وزاد الشيخ عبدالله على ذلك بالقول بأنه حين وجد كل هذا الحرص على الشعب القطري من الملك وولي العهد، طلب تخصيص رقم للاتصال لتسهيل زيارات القطريين لأقاربهم والتواصل من أجل حلالهم، وقد تمت الاستجابة لما تم طلبه.
* *
ولما لم تجد كل هذه المبادرات والتوجيهات والوساطات أي قبول لدى النظام الحاكم في قطر، ولو بأقل من الرفض المعتاد، فقد سارع الشيخ عبدالله إلى الاعتذار للمواطنين، وإعلان أسفه على منع السلطات القطرية نقلهم عبر الطائرات السعودية من مطارات الدوحة والدمام والأحساء لأداء مناسك الحج، ومثمناً في المقابل الاستجابة الكريمة والسريعة، التي قال إنها ليست غريبة على خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده، حيث يجمعنا النسب والمصير المشترك والتاريخ العريض، وتربطنا بهم صلات الأخوة منذ وقت الآباء والأجداد.
* *
ولتشويه صورة وساطة الشيخ عبدالله والتشويش عليها، فقد سارع البعض ممن يدور في فلك النظام القطري ومن خلال تدشين هاشتاق (بيعتي لتميم) إلى اعتبار استقبال الملك وولي العهد للشيخ عبدالله كان بهدف حل بعض الأمور المتعلقة بممتلكاته الشخصية في حائل، مع أن ما أعلن عنه كان عن الوساطة، وبالتفاصيل، لتمكين الحجاج القطريين من أداء الحج، وبالتسهيلات التي أمر الملك بأن تقدم لهم، ولم يكن ضمن ما تم بحثه سواء مع الملك أو مع ولي العهد أي موضوع شخصي يخص الشيخ عبدالله، فضلاً عن أن الرجل لا يملك أي عقار أو أملاك في حائل -كما يدعي المغردون في نظام تميم- لتتم مناقشتها مع الملك أو ولي العهد، ومن المؤسف بدلاً من الاحتفاء والترحيب بالتوجيه الملكي، واستثمار هذه الخطوة كبداية لتحرير قطر من تبعيتها لإيران والإخوان المسلمين وكل الإرهابيين، إذا بقطر ترفض مثل هذه المبادرة، ولا ترى فيها مُنقذاً لها من أزماتها الطاحنة.
* *
هذه إذاً هي قطر، نظام بليد، تخونه حتى الكلمة الطيبة، وإنه في حالة ضياع، ويمر بوضع مأساوي غير قابل للعلاج، ويرى النظام في قطر وكأنها مزرعته أو شركته أو منتجعه، ولهذا ليس غريباً أن يتعامل مع وساطة عبدالله آل ثاني بالرفض، ومثلها في عدم تقبل أريحية وكرم وشهامة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان، وهذه المواقف لا يمكن أن تصدر من حاكم يحرص على تجنيب البلاد والمواطنين من التحديات الخطيرة التي تواجهها الآن دولة قطر، كما أن هذا السلوك في مواجهة وساطة أحد أعضاء أسرة آل ثاني المهمين لا يمكن فهمه بأكثر من أننا أمام نظام لا يدري أنه يدفع بقطر نحو المزيد من الأزمات، والكثير من التحديات التي لا قدرة له على مقاومتها فيما بعد، حتى ولو استعان بإيران وتركيا وإسرائيل.
* *
لقد حاول نظام قطر أن يقلل من مكانة وأهمية الشيخ عبدالله آل ثاني، وكأنه ليس أحد كبار الأسرة الحاكمة في قطر، أو أن جده الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني لم يكن ثالث حاكم لقطر، ووالده الشيخ علي آل ثاني رابع حكام قطر، بينما كان شقيقه الشيخ أحمد بن علي آل ثاني خامس حكام قطر، أو أنه ليس كما تصفه صحيفة البيان الإماراتية بأنه صوت العقل الذي فُتحت له قلوب القطريين، وأنه معروف ويحظى بقبول واسع داخل أسرة آل ثاني وبين القطريين عموماً، وأنه سليل مؤسس قطر، وحفيد وابن وأخ حكامها السابقين، وله اهتمام بالأدب والتاريخ، أي أننا أمام شخصية مؤهلة للقيام بمثل هذه الوساطة، ومعنية بالاهتمام بالمواطنين القطريين، وعزوفها عن المناصب الرسمية، وعدم قبولها لأي منصب تحت مظلة نظام تميم أو والده الشيخ حمد من قبل، لا يعني عدم أحقيته في خدمة المواطن القطري إذا ما تعرض لظلم أو ضيم، كما فعل في وساطته للحجاج القطريين مع الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان.
* *
نقول للشيخ تميم، ستظل الأبواب مفتوحة لأي وساطة، ولكائن من كان من الخيرين، إذا كان هذا ينقذ قطر من حالها الذي لا يسر أخاً أو صديقاً، ولن تثني كل الأخطاء والممارسات والتجاوزات التي صدرت وتصدر من قطر ضد الدول الشقيقة، وكل صور الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون دولنا، التي تقوم الدوحة بتبنيها، عزم قادتنا في قبول أي مبادرة تنظف قطر من هذه القوى المعادية التي أحكمت السيطرة على القرار في قطر، وهمشت دور النظام، وجعلت من قطر مصدر إزعاج لكل أشقائها، وما وساطة الشيخ عبدالله، وإن رفضت، وقبلها وساطة الشيخ صباح الأحمد الصباح، وإن تم التعامل معها قطرياً بما لا يلبي تطلعات الدول الأربع في ضرورة قبول الدوحة للشروط التي تمنع الإرهاب القطري من الاستمرار، كي لا تكون دولنا وشعوبنا في حالة استنفار دائم لتجنب الخطر القادم من الدوحة، إلا أبلغ دليل على حسن النية ونظافة المقصد في تعاملنا مع قطر، الدولة الصغيرة الفاشلة التي لا تستكين دون إيذاء الآخرين، وتعريض مصالحهم للخطر.