مريم الشهري
ما يميز مجتمعنا أنه -على الأغلب- مجتمع عاطفي ومحافظ، يسعى لفعل الخير ونيل الأجر، ويشهد على ذلك القاصي والداني.
ولكن؛ هل كل فعل خير، صواب؟! الجواب: بالتأكيد لا، ففعل الخير، إن لم ينضبط بالشرع، ويقنن بالنظام، فهو مرفوض، وعند الله غير مقبول؛ ولو علم كل من بادر له، أن فعله قد يكون محرماً في بعض الأحيان؛ لما فعله في غير زمانه ولا مكانه.
ومن أعمال الخير التي نسعى إليها، الصدقة على السائل؛ لكن المشكلة أن سائل اليوم غير سائل الأمس؛ فالمتسولون اليوم، خاصةً بعد الخريف العربي بات أمرهم ملحوظاً، وحالهم مشبوهاً.
وحديثي في هذه المقالة ليس عنهم، فقد انكشف أمرهم، وبان للمجتمع حقيقتهم، إنما حديثي عن متسولين تسربلوا بزي الدعاة، والمصلحين، والرقاة، والمدربين!
فهناك من عُرِف بين العامة بالخطب الرنانة، والمواعظ الصداحة؛ لكنه لم يدع قناةً، ولا محفلاً، إلا حرض على جمع التبرعات من خلالها، وهذا من وجهة نظري؛ أحد أوجه التسول؛ فتارة يدعو للتبرع يزعم أنه لبناء مسجد، ومرة قيمة إفطار صائم، وتارة قيمة مصحف، أو زكاة، أو أضحية، أو كفالة معلم، أو حجة عن ميت وآخرها تبرع لتسقي حاجاً!! حتى الداعيات لم تسلم النساء من تسولهن، بالأطباق الخيرية، وحتى في مجالس العزاء.
وأما المتسول المثقف صاحب الدورات التدريبية، على كل شاردة وواردة، كان من السهل عليه أن يقتات على أموال الناس مستغلاً حاجتهم، بمبالغ باهظة، في أيام معدودة، يخرج أحدنا منها يجزم بأنه لم ينتفع بشيء؛ قد خسر ماله وجهده.
لا تحدثوني دفاعاً عن فئة ماكرة تدثرت بالدين، واقتاتت على أموال هذا الشعب الطيب، لا تحدثوني عن فئة تسمي نكبات المسلمين بالظاهرة الصحية؛ حين عَلِمت مدى تعاطف المجتمع مع إخوانهم المستضعفين؛ فمكرت بهم مستغلة لهم مستنزفة أموالهم.
وهنا أطرح عدة تساؤلات للتنبيه:
هل أتونا يوماً بما يثبت أن أموالنا وصلت إلى مستحقيها!؟
هل أشرفنا بأنفسنا على أوقاف لطالما دعمناها؟!
هل الآبار التي ساهمنا في حفرها يوماً، هي آبار، وليست بئراً واحدة، وُضعت أمامها لوحة، يكتب عليها في كل مرة اسم جديد، مكان اسمٍ آخر!؟
هل يعلم البعض، أن العاملين على جمع التبرعات، هم من فوضهم ولي الأمر فقط، ولجهة رسمية مخولة، وليست لكل من جمع الأموال بلا سابق تصريح!؟
هل ضمنا أن أموالنا لن تصل إلى عصابات، ومنظمات، وكيانات إرهابية، ليقتلنا رصاصهم، أو تغسل أدمغتنا مادتهم الإعلامية!؟
لا تحدثوني عن مدربين يقيمون دوراتهم بالآلاف، وفي كتاب الله وسيرة رسوله صلى الله عليه وسلم وصحابته الغنية!
أنا لا أحارب الصدقة ولا أزهد فيها؛ ولكن أحذر من الطريقة الملتوية التي تُجتلب بها، ولا أحارب الدورات التي تضيف لنا قيمة جديدة، وتفتح لنا آفاقاً، ورؤى نتجاوز بها عقبات الحياة؛ ولكني أرى تقنينها، والواقعية في أثمانها.
لأجل ذلك علينا قبل أن نغتر بهؤلاء المتسولين، من خلف ستار الثقافة والدين، وقبل أن نثق بهم ثقة عمياء، حمقاء، علينا أن نفكر، ونسأل أنفسنا ألف مرة، هل هؤلاء مصرح لهم نظاماً!؟ وهل ما نفعله جائز شرعاً؟!