خالد بن حمد المالك
أفهم أن تختلف الدول في سياساتها، وتتباين في توجهاتها، وأن يكون لكل دولة مواقفها، شرط عدم إضرار هذه الدولة بتلك، لكن لا أفهم كيف لدولة كقطر ليس لها من هم، ولا يشغلها شاغل عن استمراء العدوان على أقرب الدول لها، ولا أفهم كيف لنظام كنظام تميم أن يتلبسه الشيطان الإيراني، فيدفعه لممارسة الإرهاب ضد الجار والشقيق، فالشقيقة قطر يتم استخدامها بحكم موقعها في خارطة الخليج العربي لتمرير كل العمليات الإرهابية ضد دولنا، ويُستفاد من مالها في التخطيط والتنفيذ وممارسة كل ما كان سبباً في الجرائم التي حدثت وتحدث في الدول الأربع التي قطعت علاقاتها مع قطر، وأقفلت الحدود معها، لتجنب شرورها وعدوانها كما يوظف إعلامها في خدمة هذا المشروع التآمري للثنائي قطر وإيران ضد الدول الخليجية في تصرف جنوني خسيس.
* *
فقد تعرت الدوحة، وظهر وجهها القبيح، وكشفت عن سوءات أعمالها، وأكدت بأكثر من دليل على أنها تخون الأشقاء، وتتآمر عليهم، ولا تفوت فرصة دون استثمارها في عمل جبان للمساس بأمن هذه الدول، دون حياء أو خجل أو شعور بالندم، وكأنها دمية على شكل دولة تحركها إيران كما تريد، وتوجهها بما ينسجم مع أطماعها في إقامة الإمبراطورية الفارسية، وهو الحلم الذي لن يتحقق مهما كان ارتماء نظام تميم في أحضان ملالي إيران بمثل ما يحدث الآن، ومهما كان التصعيد في تأجيج الخلافات يتم على هذا النحو الذي ربما خالج قطر وإيران الشعور بأنه ينجز المهمة القذرة التي يقودها هذان النظامان البائسان.
* *
كلمتي هذه عن ظاهرة نزع نظام تميم للحياء عن قطر، وتجريدها من كل التزاماتها ومسلماتها وأخلاقياتها، وإظهارها دولة خائنة، بلا مصداقية، ومتآمرة على أقرب الأقربين لها، وجرها لتصبح دولة فاشلة، ومتوحشة، ولا يؤمن لها جانب، وأن يكون نظامها في وضع لا يعتمد عليه في أي تفاهمات، أو اتفاقيات، أو التزامات، فهو يفعل ويمارس كل السيئات، ولا يجد حرجا حين يواجه بأفعاله الشريرة، وتآمراته المتكررة، بأن يظهر للآخرين ما يُفهم به على أنه على حق، وأن لا أحد مهما بلغه حجم الضرر من تصرفاته له حق بأن يتدخل في شؤون قطر، فهذه بعرف من لا يستحي ينضوي تحت سيادتها، وحقها المشروع، وعلى الجميع أن يتفهمه، ويقبل به، ولا يعترض عليه، في تعامل جنوني، لا يقدم عليه إلا من افتقد إلى الحياء، واستكان إلى عدم الاستحياء كحال نظام قطر.
* *
هذا النظام الذي باع قطر، هو من كان خطط لقتل الملك عبدالله - رحمه الله - دون أن يشعر بالحياء، وتآمر على المملكة بالتفاهم مع القذافي على مشروع لتقسيمها إلى دويلات صغيرة، ثم يظهر على الملأ وكأنه بريء من هذه الجريمة النكراء، ويدعى بأنه بهذا العمل الجبان لم يفعل شيئاً يستدعي تجريمه، كما أنه من موَّل الموالين والعملاء لإيران من شيعة المملكة بالمال والسلاح، بلا حياء، وحرك الشارع في البحرين بمظاهرات تخريبية، ضمن تآمره لقلب نظام الحكم في البحرين متعاوناً مع إيران، وظل الحياء غائباً في شخصية النظام، فمارس أيضاً مع دولة الإمارات ما مارسه مع أنظمة مصر وتونس وليبيا، ودول أخرى، حيث أعمال الإرهاب والتخريب، متخلياً عن الحياء، ومثل ذلك فقد ناصر الحوثيين في اليمن، فأمدهم بالمال والسلاح، ودعمهم إعلامياً من خلال قناة الجزيرة، وبقي ذاته النظام الذي لا يستحي من الكبائر التي يمارسها، حيث الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول الشقيقة وغير الشقيقة.
* *
هو نظام شيطاني إذاً، لا يستحي ولا يخجل، ومغّيب عن أن عليه أن يتوقف عن دعمه للإرهاب، ولو بدافع الحياء إن لم يكن بدافع المسؤولية، لهذا تراه هنا وهناك، وحشاً يعتدي ويخرب ويكذب ويماطل ويمارس كل الموبقات، مثلما يفعل صديقه نظام الملالي في إيران، وكما هو سلوك غير العقلاء والمتآمرين، حتى وإن ادعى نظام تميم عدم صحة المعلومات التي تتوالى عن دوره في خدمة صناع الإرهاب، وأنكر كل ما يقال عن ضلوعه في العمليات الإرهابية التي مست عدداً من دول الخليج وخارج منطقة الخليج، بمعنى أننا أمام نظام يتصرف بجنون، وينسى أن أعماله الإرهابية لا تقبل الاعتذار ما بقي هذا النظام صاحب شهية وإمعان في استمرارها، بل إن أي تصرف أحمق كهذا لا يكفي حتى وإن غُلّف بشيء من الحياء الكاذب، وهو ما يفعله النظام في قطر إن ادعى أحد عليه، وواجهه بالحقائق بأنه يفعل ذلك.
* *
وبين إرهاب قطر والحياء المفقود لدى نظام تميم، صرنا أمام نظام بلا أخلاقيات، بلا إنسانية، همه أن يؤذي غيره، وهدفه الانتقام بلا سبب أو مبرر، ومع هذا فهو الآن نظام يتآكل، وفي وضع مأساوي لا يحسد عليه، ولكنه لا يتعلم، ولا يستفيد، لأنه ما زال يرتهن لنظام طهران، ويسير على خطاه ووفق توجيهاته وتوجهاته، كما هو كذلك مع الإرهابيين غير القطريين في الدوحة، ولقناة الجزيرة كبوق إعلامي خبيث تمارس أدواراً خطيرة في فك ارتباط قطر عن عالمها الخليجي والعربي، وكل هذا يتم ويحدث دون أن تظهر على النظام علامات أو إشارات على الخجل، والحياء، والندم، والشعور بأن هؤلاء يدفعون به إلى الجحيم، ويقربونه إلى هذه الحرائق المشتعلة التي توشك أن تقض مضاجع أركان النظام، بينما هو في سبات نوم عميق.
* *
نعود إلى الحياء المفقود في نظام تميم، ونقول: «إذا لم تستح فاصنع ما شئت»، وقد فعلت وصنعت كل شيء دون حياء، متنقلاً في أكثر من خانة، وبين أكثر من موقع، فمن الإرهاب إلى التحريض، ومن التطرف إلى التدخل في شؤون الدول، وسلاح النظام القطري أنه لا مكان للحياء عنده، ولا حضور للخجل في أعمال الدوحة الإرهابية، ولن يكون غياب الحياء وقد حدث من المعوقات التي يحسب لها نظام تميم أي حساب، فالوضع المتهالك في النظام، والتبعية لإيران في كل المواقف والقرارات، يسمح لقطر أن تفعل ما تفعله الآن، وربما أكثر من ذلك في المستقبل، طالما أن هذه هي البدايات، التي تتطور بسرعة، وتتصاعد في مغامرات على نحو ما نراه في سلوكيات النظام القطري الذي سلم أمر البلاد لإيران ولعملائها وممثليها في الدوحة.
* *
وعندما نتحدث عن الحياء لدى نظام قطر، فنحن نتحدث عن نظام (مغموس) بوحل المؤامرات، وعن نظام فقد كل صفات الشهامة والنخوة والصدق والوفاء وكل الصفات الحميدة، وبالتالي فقد أصبحنا أمام نظام هش وخائن وعديم الوفاء وناكر للجميل، وقد جهزه العدو أحسن تجهيز ليكون معول هدم لكل عمل جميل يخدم قطر وأشقاءها، كما ظل نظام ولاية الفقيه منذ سنوات يحضّر نظام تميم لمسؤوليات خبيثة، وشراكات مشبوهة، يلفها شيء من الغموض، وتحاط بكثير من السرية، لكن أمرها انكشف قبل الموعد المحدد لارتكاب المزيد من الجرائم، وفي الزمن المناسب، فبات النظام القطري يدفع الآن ثمن استسلامه المذل لطهران، وقد وجد نفسه أخيراً منبوذاً ومكروهاً، وليس له من محب وصديق إلا هذه القوى المعادية لدولنا، تلك التي تدعي أنها مع قطر، وهي كذلك، ولكن في التآمر علينا وعلى قطر معاً.
* *
الحياء من شعبة من الإيمان، ولكن نظام تميم لا يؤمن بالحياء في مدلوله بالنسبة لتآمره على أشقائه، بعد أن فقد حياء المؤمن في المدلول الآخر، وهو نظام لا يفكر ولا يقرأ ولا يحلل، وليس لديه القدرة على الاستنتاج والتوقع والاستيعاب لما هو قادم، فقد ترك كل هذا لإيران وعملائها، لعزمي بشارة تحديداً، وبقي دوره أن يبصم ويوقع ويمرر المؤامرات المؤذية لنا، وكأنه يخدّر قبل البدء بأي مشروع تآمري، وكأنه يغيّب وعيه عند التخطيط والتنفيذ لأي مؤامرة ضد أمننا واستقرارنا، وهو في كل هذا نظام يفتقر إلى الحياء والخجل، ويتلذذ بنجاح أي عمل يقود إلى إحداث فوضى وتخريب وفقدان أمن في أي من الدول الخليجية، دون أن يشعر بالندم، أو يحس بأن عليه أن يرعوي عن كل هذا، مع أن الحساب والمساءلة وتجريم أفعاله في الطريق إلى محكمة الجنايات ومحاكم العدل الدولية كما أتوقع.
* *
أخيراً، لماذا لا يستحي النظام القطري من أدوار إرهابية خطيرة كان طرفاً فيها؟ الجواب لأنه نظام عميل لإيران، يخيل إليه أنه بدون الفرس ودعمهم وعمالته لهم سيكون خارج التواجد في إدارة الحكم في قطر، لأنه يعتقد أنه بدون طهران سيكون خارج لعبة الحكم في البلاد، وبهذه الأوهام والتخرصات وكوابيس الليل الطويل، عرفت طهران كيف تستولي عليه، وكيف تخترق هذا النظام الضعيف، وكيف تستخدم القوى المعادية لنا التي تقيم في الدوحة في تمرير مشروعها الاستعماري، ولهذا فنظام تميم لا يستحي ولا يخجل، لأنه ليس صاحب قرار في كل هذه الأزمة القطرية التي أفشلت الدول الأربع كل مخططاتها الإرهابية، وحيّدت قطر من أن تكون دمية في تمرير الإرهاب إلى دولنا، وإن كان هذا ليس من فعل هذا النظام الذي لا يستحي، فهو نظام مغلوب على أمره، وخارج دائرة الوعي والاستيعاب لما يجري في البلاد.