عبدالعزيز السماري
تتفق مختلف الثقافات والأديان على ضرورة وجود عدو في معتقداتها على طريقة الضد يظهر حسنه الضد، ولهذا ترفض العقول بعض الأفكار لأنها لم تحسن إنتقاء الأعداء، فالعدو كالضد الذي من شروطه أن يظهر الجمال والحسن حين إظهارك العداء له..
تماماً مثلما تكلم نيتشة الفيلسوف الذي خلط أوراق التاريخ، وأعاد ترتيب الأفكار عن فلسفة العداء أو العداوة حين قال «لا تتّخذوا لكم من الأعداء إلا مَنْ يستحق ذلك، وتجاوزوا عن عداء من لا يستحقّ إلا الاحتقار، إذ عليكم أن تتباهوا بعدوكم».
كانت الفلسفة التي قامت عليها الصهيونية على سبيل المثال أن جعلت من الأغيار أو الآخرين أو بقية العالم في موقف العدو والمعادي لشعب الله المختار، فيما تم التعارف عليه بمعاداة السامية، وكان ذلك الموقف حافزاً لتلك الأقلية التاريخية للسيطرة على العالم من خلال أفكار الاقتصاد ومراكز الأبحاث وتقديم الاستشارات.
كذلك أجاد العقل الغربي في بث ديناميكية حية في تصورات فلسفة العدو، والذي تطور وتبدل على مر العصور، حسب المتغيرات السياسية، فكان يوما النازية أو اليمين المسيحي المتطرف، وكان إعلانه عدواً مبيناً دافعاً للخروج من تلك الأفكار التي كان لها أثر و وجود في العقل الغربي، ثم تطورت فكرة العدو في عصور لاحقة إلى أن تكون الشيوعية،والتي تعتبر ايضاً خروجاً حاداً آخر عن مركزية العقل الغربي، فكان التصريح بعدواتها إعلاناً عن رفضها في العقل الغربي.
بعد انتهاء الحرب الباردة في العقل الغربي، وانتصار العقلانية المتزنة على أوجه التطرف فيها، كان التصور الجديد لفلسفة العداء خارج حدود العقل الغربي، وكان التطرف الإسلامي العدو الجاهز، وقد كان اختياراً ذكياً، فالإسلام يمثل تاريخاً طويلاً من الصراع مع الغرب، وكان تحولاِ ملفتاً للنظر في مسار البحث عن عدو حقيقي يستحق الاحترام، وكان بالفعل الحافز الجديد من خارج الحدود من أجل المضي في البحث عن مختلف وسائل القوة في العالم.
في الجانب الآخر، تُقدم الطوائف الدينية في الإسلام تصورات جامدة عن ماهية العدو، فالعدو لازال هو تاريخنا المشترك، ولهذا السبب لم نتقدم إلى الأمام، ولكن نجيد تكرار أنفسنا لدرجة أن تحولنا إلى سجناء في ذلك التاريخ، والمفارقة أن تحولت الجهالة والأمية والتخلف إلى حلفاء للمرجعيات الدينية، فمن خلالهم يتم ترسيخ ثقافة العدو الحقير في تصوراتهم الطائفية الساذجة.
كذلك فشلت الأطروحات السياسية العربية سابقاً في تقديم تصورات متطورة لفلسفة العدو، وكانت تقدمهم في صور كائنات سياسية في الداخل، ولهذا السبب كانت النتيجة أن فشل الطرح القومي والبعثي في مشاريعهم المعلنة، فالعدو حسب رؤيتهم كان الداخل العربي، أو المصدر الدائم للمخاوف السياسية في الدولة القطرية.
نحن في أمس الحاجة إلى تطوير صورة العدو في العقل العربي، وإلى إعادة النظر في فلسفة العداء الحالية، فالأعداء الحقيقون في الداخل العربي هم الاستبداد والفساد والأمية والتطرف، وذلك من أجل إظهار محاسن التسامح والنزاهة والوعي في العقل العربي الجديد.
علينا أن نحسن اختيار الأعداء، وذلك من أجل أن تكون لنا أهداف محددة، تبرز من خلالها الجهود الرامية لتجاوز ذلك العدو الذي يستحق أن نزهو بالانتصار عليه، بينما يكون الفشل نتيجة عند اختيار عدو وهمي أو عدو حقير كما عبرّ عنه نيتشة..
لعل الطرح أعلاه أشبه بتلك التصورات الخاطئة عن الأمراض، فالعقل يعجز عن الحلول الصحيحة حين يكون سبب المرض المعلن هو الجني الغائب في الخرائب المظلمة، أو السحر المدفون في عقول الجهلة، بينما يكون العقل في المسار الصحيح عندما تكون الأسباب المحتملة علمية بحته، وتنتظر الاكتشاف العلمي الكبير من أجل تجاوزها بالعلاج المناسب.