خالد بن حمد المالك
قطر دولة صغيرة، لا تكاد العين ترى تفاصيلها في خارطة العالم، ولا تفرق بينها وبين قناة الجزيرة، فأحياناً تقول إن القناة هي الجزيرة، وأحياناً أخرى تظن أن قطر هي الجزيرة، كل هذا لأن دولة قطر ضيعت مشيتها، وتصرف نظامها بما همشها، واستمرأ ذلك، بما جعله يدفع بها إلى الاختزال، تساعده إيران، والإخوان المسلمين - تحديداً - على ذلك، باستخدام الأدوات التي زُرعت في قطر، ممثلة بالكيانات والتنظيمات والأفراد الذين فتحت لهم أبواب قطر، وجاءوا من كل صوب وحدب، ينشرون الفكر النتن، ويتبنون العمليات الإرهابية، ويسوقون للتطرف، ويأخذون بمبدأ التحريض للوصول إلى إنجاح مخططاتهم، بينما ظل نظام تميم لا يحرك ساكناً، مؤيداً لما يقوله ويروجه المتآمرون في قناة الجزيرة التي لوثت المنطقة الخليجية والعربية بما جعل من قطر (مكباً!) لقاذوراتها الإعلامية.
* *
هنا بدأت الدولة القطرية المختزلة أساساً بلسان صغير يقع على الخليج العربي، تُختزل أكثر، وتُهمش نفسها، دون وجود نافذة لها للخروج براً من وضعها غير الطبيعي المشوّه إلا من خلال المملكة، فكان قفل هذا المنفذ الوحيد بمثابة إيقاظ نظام تميم من نومه العميق، وإفهامه بأن قطر قد يبتلعها البحر ذات يوم، إن هي استمرت في سياسة العبث، أقصد أن نظام ولاية الفقيه في إيران يعمل ليل نهار على تحقيق أطماعه في المنطقة الخليجية، ولو بابتلاع هذه الدويلة الصغيرة المسماة قطر، وفقاً لما نراه من مشاهد وتحركات وأعمال إيرانية غير طبيعية، مع أني على قناعة بأن من سوف يذوب في البحر هو النظام وليس قطر الكيان، فالمواطنون القطريون لن يقبلوا بأن تمس دولتهم بسوء ومعهم الأشقاء، حتى ولو كان ذلك على حساب عدم بقاء واستمرار نظام تميم.
* *
صحيح، أن قطر يتم اختزالها الآن، ولكنه اختزال لن يستمر، وتهميش لن يتواصل، فالقرار سيعود إلى المواطنين القطريين، وهذه المجاميع التي تقيم في قطر وتتآمر عليها بموافقة من نظام تميم لن يكون لها حق البقاء إلى الأبد، خاصة وأن المؤشرات بدأت تتضح للمواطن القطري عن خطورة هؤلاء على مستقبل البلاد، وأن الأحداث التي صاحبت قطع العلاقات مع قطر وقفل الحدود بينها وبين الدول الأربع، قد ساعد على كشف الحقائق، بما مثل جزءاً من عملية التصحيح القادمة للوضع في قطر، وتجريد إيران وأتباعها من كل الأسلحة الناعمة التي تستخدمها لترويض نظام قطر، وجعلها تابعاً وقطيعاً ومنفذاً لتوجيهاتها وأجندتها في التآمر على دولنا العربية، واستخدام المال والإعلام وكل ما هو متاح لخلط الأوراق في المنطقة، وزيادة حدة الصراع والخلافات فيما بين دولها وشعوبها، وكل هذا يتم بخبث ودناءة وخيانة واضحة.
* *
نحن يهمنا أن تبقى قطر دولة ذات سيادة على كامل أرضها وترابها، لا يتدخل أحد بشؤونها الداخلية، وتكون هي في منأى عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، وأن تبتعد عن كل تصرف أو عمل تشم منه الدول الشقيقة أنه عمل هدفه التحريض لمؤامرات فوضوية لتغيير الأنظمة في الدول الأخرى والانقلاب عليها، وما يتبع ذلك من حروب أهلية لا يستفيد منها إلا العدو الإيراني ودول أخرى ومنظمات تستعد لملء الفراغ بعملاء يعملون لصالحها كما هو الوضع الآن في العراق وسوريا، وكما يمكن أن يحدث مع النظام المغفل في قطر، إذا ما استمرت الدوحة في الابتعاد عن أشقائها، وتسليم مفاتيح القرارات القطرية للإيرانيين، ولهذه القوى العدوانية التي تقيم في قطر، وليس لها من هم واهتمام إلا إيذاء دولنا، والمساس بأمنها واستقرارها.
* *
لكن نحن بالقرارات الأخيرة الصعبة وغير المسبوقة التي اتخذتها الدول الأربع ضد قطر، يمكن لنا الآن القول بأن هذا الاختزال القطري، إنما هو وضع طارئ ومؤقت، فالتهميش للدوحة، والتآمر عليها، ومحاولة جرها إلى المعسكر الفارسي، والنظر الإيراني لها على أنها بوابة للوصول إلى إنجاح فكرة الإمبراطورية الفارسية، هي أوهام وتخرصات لا قيمة لها، فدول مجلس التعاون لن تقبل بأقل من أن تكون قطر دولة حرة ومستقلة وذات سيادة، وبالنظام الذي يختاره المواطنون القطريون، ولن يسمح مجلس التعاون باستمرار هذه المجاميع غير القطرية بأن تكون إقامتها في قطر من أجل التخطيط لمؤامرات إيرانية ضد دولنا، وقطع العلاقات، وإقفال الحدود هو جزء من الإستراتيجية في مقاومة الهجمة الفارسية التي سهل لها نظام تميم بأن تكون على مقربة من دولنا، لكنها -أعني إيران- كما فشلت في البحرين واليمن، سوف يكون مصير تدخلها في دولنا من خلال قطر الفشل الذريع.
* *
أسأل الشيخ تميم بن حمد أمير دولة قطر، كيف لك أن تقبل بأن تضع البلاد تحت إمرة وتصرف إيران، وكيف لا تدرك ولا تتعلم من التجارب ما هي أهداف الإيرانيين وأطماعهم في المنطقة، وأن تضحي بكل الأشقاء، محافظاً على علاقتك مع عدو مشترك هو إيران، ومتى يكون لك وقفة رجل مسؤول يتحرر من عبودية النظام الفارسي، وقد بان لك حجم المؤامرات على دول المنطقة بما فيها قطر، وإذا كنت مجرداً من أي صلاحية في أخذ قرار تاريخي كهذا، ألا يمكن لك أن تتنازل عن الحكم لشيخ آخر وليكن عبدالله بن علي بن عبدالله آل ثاني، كي يحمي قطر من هذا المخطط الإيراني الذي لا أعرف إن كان تجاوبك معه عن جهل أو عن معرفة، أو أنه عن قلة حيلة، وكلها لا تعفيك من المسؤولية في الخيانة والتآمر على دولة قطر وأشقائها.
* *
هذه أسئلة من محب لقطر، من خائف عليها، ومن مواطن خليجي يسوؤه أن يرى دولة قطر تمر بهذا الظرف الصعب، دون قرار شجاع، يبدأ بطرد هؤلاء غير القطريين المقيمين بقطر ويتآمرون عليها، وينتهي بقطع العلاقات مع إيران، والاعتذار لدول مجلس التعاون ومصر التي أوذيت بمؤامرات مصدرها الدوحة، ومن ثم البدء بسياسات جديدة تقوم على الصدق والإخلاص والتعاون، ونبذ الإرهاب والتطرف والتحريض والكراهية، وعدم التدخل في شؤون أي دولة من الدول، واعتبار ما كان وكأنه لم يكن بالتزام منكم بعدم تكراره، وتقديم كل الضمانات التي تؤكد التزامكم بذلك، بما في ذلك الاستجابة للشروط التي قدمت لكم، بواسطة ووساطة أمير دولة الكويت، وتم رفضها منكم في تصعيد خطير، كما جاء ذلك في خطابكم.
* *
أجل، إن اختزال قطر وتهميشها، ومحاولة ابتلاع قطر من إيران، إنما هو بسبب سياساتكم، فلا تتمادوا بأكثر مما حدث، ولا تُعرّضوا نظامكم بما يقوّضه إثر استمرار هذه السياسة التي يلتزم بها النظام، فنحن لا نريدكم أن تغرقوا، أو أن تجدوا أنفسكم في لجة البحر، تتفرج عليكم السلطة الإيرانية، دون أن تفي بأي وعود استعمارية كانت ضمن توهمكم بأنها مركز قوتكم في أزمتكم مع أشقائكم، وحذار أن يأخذكم الوهم، فلا تصغوا لصوت ناصح يحب أن تكون قطر دولة أمن وسلام، فالمواطنون القطريون من حقهم أن يرفضوا أن يقذف بقطر إلى الفم الإيراني الجائع بانتظار النفط والغاز القطريين.
* *
هذا بعض ما يمكن أن أقوله عن هذا الارتباك في السياسة القطرية، والذي جعل من نظام تميم وقبله نظام حمد سبباً بأن تصل البلاد إلى هذه المواصيل السيئة، وأن تضعنا مع أشقائنا مواطني قطر في موقع الخائفين على البلاد، فالتنسيق الذي يتم بين نظام ولاية الفقيه ونظام تميم خطير، ونتائجه لا تقتصر على ما حدث حتى الآن، فأطماع إيران حدودها لا تقف عند هذا الحد، ولا تتوقف برفع نظام تميم للراية البيضاء مستسلماً للإيرانيين، ومسلّماً أمره وأمر البلاد لهم، في فترة سوداء من تاريخ حكم هذه الدولة الصغيرة منذ استقلالها وإلى اليوم، ولا يعيب نظام تميم حين يُكتشف أنه في موقع الخيانة، أن يتصرف بما يُرضي من خانهم وأخطأ بحقهم، إلى جانب حماية الدولة من المتآمرين عليها، الطامعين بخيراتها، وهذا يعني أن المطلوب من نظام تميم أن يعيد حساباته في علاقاته مع إيران، ومع هؤلاء الذين يقيمون في قطر، وكذلك وضع حد لقناة الجزيرة، وبرامجها المعادية لدول مجلس التعاون ومصر.
* *
من المهم أيضاً، أن يعرف النظام القطري أن زمن الصمت ولَّىَ، وأن المواجهة بدأت، ولن تتوقف إلا بإعادة الدوحة إلى المسار الخليجي السلمي، وإبعاد كل الأعداء والمتآمرين والطامعين بها من أراضيها، وأن حدود هذه المواجهة مع قطر مفتوحة على كل الاحتمالات، لأن النظام تجاوز إضراره بقطر، إلى العمل على الإضرار بالدول الشقيقة، مستعيناً بالأعداء، وهذا خط أحمر، تفسره الإجراءات الجديدة، التي على أمير قطر أن يفهم المقصود منها، قبل فوات الأوان، فقد لا يصبح للندم عندئذٍ أي قيمة أو تأثير، طالما تم التراجع في غير وقته المناسب.