د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يجتمع الحجيج كل عام في مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، راجين من الله العفو والغفران وسائلينه خير الدنيا والآخرة، يجتمعون وهم أعراق مختلفة، وثقافات متباينة، ومذاهب متعددة، وقناعات متفاوتة، هم كذلك، وسيظلون يقدمون إلى هذه البقعة المباركة راجين ما عند الله.
فيهم الغني والفقير، والكبير والصغير، والعالم والمجتهد، وذو الشأن والمقتصد، هم جميعًا يلبسون ذات اللباس، ويقيمون ذات المشاعر، وفي أوقاته المحددة، لا يقدم أحدهم على غيره ولا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر عن تلك المواعيد المحددة، والأماكن اللازمة وإقامة المشاعر بها، وكلهم محتسبون صابرون على العناء، فليسوا ببالغيه الإ بشق الأنفس.
نفوس تسأل الله أن يجلو عنها الضغائن، وقلوب ترجو المولى أن يضع فيها الرحمة والإيثار وحب الغير، نفوس صادقة في توجهها، ومتفائلة في آمالها، فعسى أن ترى ذلك تجديداً في السلوك الذي جبل عليه الإنسان من مضنات وهنات، قد تصيب الإنسان في فترات من عمره.
تجتمع الجموع ملبية في منظر رائع بهيج، تذرف له الدموع، وتقشعر من عظمته الأبدان.
جموع تدعو المسلمين لوحدة الصف، ويضربون مثلاً بأنفسهم، في اجتماعهم، ووحدة دعائهم، وفي مواقفهم وتحركاتهم وفي لباسهم وفي ضعفهم ومقامهم، فما أجمله من منظر، وما أبهاه من مشهد، وما أنفسه من مقصد.
لا بد لكل منصف أن يشكر خادم الحرمين الشريفين وولي عهده حفظهم الله، على كل هذه الخدمات الجليلة التي تقدم لضيوف الرحمن، فهذه الدولة المباركة تسعد بخدمة الحجاج، وتقديم كل من يحتاجونه لتيسير حجهم، وعودتهم سالمين غانمين، فجميعنا يرى هذا العدد الهائل من رجال الأمن المخلصين الذين جندوا طاقاتهم ووقتهم لخدمة الحجيج، طمعاً فيما عند الله، ورغبة فيما عنده، وشاهد الجميع هذه الصروح العظيمة من الإنجازات في بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، التي لا يضاهي أي صرح في العالم، ولا يمكن أن يضاهيها جنس من الأجناس مهما كان وأينما كان.
وإضافة إلى ذلك، نجد تلك الخدمات الهائلة من الصحة وتوفير المواد الغذائية والمشرب والمأكل والدواء والغذاء، بشتى أنواعه ومذاقاته أغلبها تقدمه الدولة والصالحون القادرون، ورفادة الحجيج سلم جبلت عليه هذه البلاد منذ إنشائها، وكم نحن كمسلمين فخورون بما تقدمه المملكة من خير لهؤلاء الضيوف الكرام.
المملكة كانت وما زالت وستظل تقدم هذه الخدمات دون منه، ولعل البعض لا يعلم أن الإنفاق على الحرمين الشريفين ليس له حدود، ولا يقع ضمن ميزانية محددة، وإنما هو إنفاق بسخاء دون الالتفات إلى وضع مالي معين، وإنما إنفاق متواصل لا حدود له ولا قيود عليه، فهو سيل متدفق من العطاء، والتحسين المستمر، والتيسير الدائم، والعمل الجاد، والخير العميم، وهو عمل يقوم عليه خادم الحرمين الشريفين وولي عهده بشخصياتهم الكريمة ويتابعون الإنجازات على مر العام، ويضعون ذلك دائما أولوية قصوى.
إن ضيوف بيت الله الكرام، وقد وقفوا بصعيد عرفة آمنين مطمئنين، سيكملون مناسكهم ليعودوا بإذن الله إلى أوطانهم، في حماية الباري عز وجل. وندعو الله لنا ولهم القبول والتوفيق، وصلاح النفس والمقصد إنه جواد كريم.