فهد بن جليد
أضحى مبارك، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، من البقاع المقدسة وأنا أتحلَّل من الإحرام مع بقية حجاج بيت الله الحرام، أخص قراء صحيفة الجزيرة الغراء، والعاملين فيها بدعوة صادقة من القلب بأن يحقق الله أمانينا جميعاً، ويسعدنا في الدارين، فما أجمل أن يجمع بيننا تقدير متبادل دون مصلحة شخصية منتظرة، وهذه من نعم الله أن تستطيع إهداء دعوة -في ظهر الغيب- لمن تحب وتخصّه بها في هذه الأماكن المقدسة.
اليوم تبدأ ملامح وجنسيات الحجاج تظهر تبعاً لأزيائهم التي يرتدونها في يوم العيد، بعد أن جمع الله بينهم يوم أمس -بزي موَّحد- على صعيد عرفات الله الطاهر في هدوء وسكينة وأمن وطمأنينة، بفضل ما هيأته المملكة من مشروعات حضارية وتنموية كبيرة، وما سخرته من إمكاناته وخدمات متكاملة وعظيمة، وهي حالة عبادية فريدة على مستوى العالم، تتجلى في أجمل وأحلى صورها الإنسانية، عندما يتكاتف البشر بمختلف مشاربهم وثقافاتهم جنباً إلى جنب، لتحقيق هدف إيماني للسلام والوحدة، وتأدية نسك تعبدي، يعكس سماحة وعظم هذا الدين، حيث لا فرق هنا بين غني وفقير، فالكل جاء يطلب عفو رب غفور، في رحلة إيمانية خالدة تتكرر كل عام.
من يعِش وسط الحجيج يتعرف عن كثب على مدى عظم هذه الشعيرة ومنافعها المتعددة، عندما تتحول -منى- في أيام التشريق إلى ما يشبه أكثر المنصات العالمية تنوعاً في استعراض الثقافات الصناعية اليدوية والتجارية البسيطة المتبادلة لما يجلبه الحجاج معهم من بلدانهم وثقافاتهم، ويتبادلونه مع إخوانهم بطريقة عفوية وبسيطة في حكاية أخرى للحج قد لا يعرفها البعيدون عن المشهد، بضائع بسيطة جلبت
-بشكل شخصي- من مختلف قارات العالم، في ظاهرة سنوية عريقة امتدت على مدى العصور والقرون، لتعكس حجم التنوع الثقافي والاقتصادي المتبادل لأحد معاني ومقاصد ومنافع الحج العظيمة.
كل التجمعات البشرية، والمواقع الدينية والسياحية حول العالم، تظهر فيها ملامح اقتصادية وتجارية متنوعة لمعروضات تذكارية، وصور شخصية وفورية، وغيرها مما يحرص الزائرون لها لجلبها معهم عند العودة إلى بلدانهم، مما يدعونا للتفكير في تنظيم هذه المسألة التي تتكرر كل عام، والترخيص لها ولو عبر أشكاك خاصة خاضعة للرقابة، شبيهة بتلك التي تقدم الأطعمة والمشروبات والخدمات في المشاعر، فبقاء أكثر من مليوني حاج في منى طوال يومين أو ثلاثة بعد أن يتفرغوا من أداء مناسكهم وأعمالهم اليومية، حافز وفرصة للتفكير في مثل هذا المقترح بما لا يتعارض أو يؤثر على طبيعة المشاعر المقدسة وخصوصيتها الإيمانية.
وعلى دروب الخير نلتقي.