د. ناهد باشطح
فاصلة:
(( إن الحقائق الرئيسية في المنهاج الإسلامي لا تمثل المساحة العقلية المقررة لها، كما أن عدم سيطرة الحقائق الكبيرة على الوعي الإنساني لا يمكن التغاضي عنه))
-الشيخ محمد الغزالي-
لم يمر بي هذا الإحساس من قبل، لم أفكر يوماً أنني حين أمتدح وطني كما يفعل الآخرون حين يتحدثون عن أوطانهم فأنا أزيف الحقائق وأضلل الرأي العام، ولم أر يوماً كيف أن إبراز مشكلات وطني في المحافل الخارجية هي أساس مصداقية مهنتي.
خلال أسبوع سافرت إلى مدينة خليجية وأخرى عربية، زرت مطاراتهم وركبت طيرانهم الحكومي وتواصلت مع الناس في كلتا المدينتين، ورغم الوقت القصير إلا أنني كنت مثل المبحوث الذي يتكئ عليه عادة الباحث الانثربولوجي ليحصل منه على معلومات مهمة عن المنطقة لأنه غريب وعيناه تلتقطان الكثير.
اكتشفت أن شركات الطيران تتأخر عن مواعيد إقلاعها والمضيفون في الطائرة لا يبتسمون والموظفون يتحدثون عن ضياع الفرص الوظيفية بسبب الطائفية أو الواسطة وبعض الشوارع والطرق منهكة وسلبيات أخرى كثيرة.
لكنني أيضاً اكتشفت أننا نبالغ في أن يكون وطننا مثاليا، نضخم المشاكل، نستهجن حدوثها مع أن طبيعة المجتمعات ان توجد فيها المشاكل والتحديات لصنع التغيير.
هذه الاكتشافات لم تكن ذات أهمية في أوقات مضت لكنها اليوم تبرز وأنا أرصد كاعلامية متخصصة الخطاب التشاؤمي الذي ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي في المعالجة السلبية لمشكلات مجتمعية. لذلك علينا أن نلتفت إلى تطوير الوعي الجماعي بحيث لا تؤثر عليه المواقف والتقاليد، بل تشترك معه خبرات الأفراد في الوسط الاجتماعي الناتج عن الاتصال المتبادل بيننا كأفراد.
حتى نستطيع أن نكون وطنيين في الوقت الذي يحتاجه منا الوطن، علينا أن نفكر في إيجابية كيف نمارس وطنيتنا.
كل من يعتبر هذه البلد وطنه عليه أن يعرف أن ممارسة الوطنية ليست شعارات وإنما سلوكيات حقيقية تعبر عن معايير مشتركة وقواسم مشتركة تصب في مصلحة واحدة.
نحن بحاجة إلى فهم أكثر للوعي الجمعي الذي أسسه «إميل دوركايم»، والذي هو القاعدة الأساسية لتطور المجتمعات، حيث يستند على المبادئ والمواقف الأخلاقية المشتركة بين جميع أفراد المجتمع لتشكيل قوة تمد الحراك بوقود تحفيزي.
فالإرادة الجمعية أقوى وأعمق من الإرادة الفردية.