فهد بن جليد
الداخل إلى مشعر منى طوال اليومين الماضيين، يُشاهد كيف سخرت المملكة كل امكاناتها وجندت كل طاقاتها، بعمل دؤوب جاد لتحويل هذه الأودية الصامتة، إلى مدن عصرية مليونية، بكامل تجهيزاتها من البنية التحتية والطرقات والأنفاق، والخدمات التقنية، ليعيش فيها السكان بكل راحة وهم يلمسون حجم ما قُدم لهم ويستفيدون منه، رغم أنَّ منهم من أدار ظهره لأحدث المُدن العصرية في العالم، أو جاء من أفقر الدول والبيئات، ليشغلوا مدينة واحدة ليومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، في حالة تعبدية فريدة على مستوى العالم.
-غداً- يغادر المُتعجلون من حجاج بيت الله الحرام مشعر منى و مكة المكرمة بعد أداء فريضة الحج، قصة نجاح تتكرر كل عام مع أعداد مُختلفة من البشر، فنجاح موسم حج هذا العام يمكن قراءته مُبكراً على وجوه حجاج بيت الله الحرام، وهم يواصلون أعمالهم اليومية في البقاع المُقدسة (من مكة إلى منى، ثم عرفات، ثم مزدلفة، ثم منى ثانية، وانتهاء بالحرم) برضاء تام وطمأنينة كبيرة، تعكس حجم الجهود المبذولة من أجل راحتهم وسلامتهم، وضمان أداء نسكهم بكل يسر وسهولة، وهي خلاصة تجارب وخبرات حصدتها وأتقنتها مُختلف القطاعات والأجهزة الحكومية والخدمية طوال سنوات مضت، لتشكل اليوم مُنتجاً وخدمة احترافية، أكثر تجويداً جعلت الحاج يتفرَّغ تماماً لأداء نسكه وعباداته في أفضل بيئة ممكنة.
من الواضح أن السعوديين العاملين في خدمة الحجيج، لم يعد يرضيهم مُجرد تقديم الخدمة وتوفيرها للحاج فقط، بل بات التنافس اليوم على أشدِّه في تجويدها بإتقان، وبأفضل الطرق وأقل الأخطاء الممكنة والمتوقعة، وهذه أقرب تفسير لتلك النجاحات المتواصلة.
ما شاهده العالم خلال الأيام الماضية من حسن تنظيم ونجاح كبير وبارز في موسم حج هذا العام، هو دلالة أخرى على ما تقوم به المملكة، وتبذله منذ عهد المؤسس وحتى اليوم، خدمة للحرمين الشريفين ولقاصديهما من الحجاج والمُعتمرين والزوار، حتى تحوَّل الحج من رحلة مُضنية شاقة، قد يدفع المسلم حياته ثمناً لتأديتها، إلى رحلة مميزة وسهلة ومُمتعة.
وعلى دروب الخير نلتقي.