سعد بن عبدالقادر القويعي
من أخطر الظواهر الإجرامية الكبرى الراهنة، التي بات العالم يلتفت لها لأضرارها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، جريمة الاتجار بالأشخاص؛ فهو شكل من أشكال الجريمة المنظمة الدولية التي تدر مليارات الدولارات، وتمثل الاسترقاق في العصر الحديث، وخصوصًا وقد كشف التقرير العالمي عن الاتجار بالأشخاص، الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة والمخدرات، أن مليارَيْ شخص حول العالم مورست عليهم جريمة الاتجار بالبشر دون أن يتعرض الجناة للعقاب، وأشار إلى أن 70 % من الضحايا نساء وفتيات، و30 % منهم رجال وصبية. وقال التقرير: إن بعض النساء أصبحن يتاجرن بالبشر بنسبة تصل إلى 30 %، في حين يمثل الجناة الذكور نسبة 70 %، و78 % من المتاجرين المدانين يوجدون في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. كما تضمنت أشكال استغلال الضحايا التي عرضها التقرير الاستغلال الجنسي للنساء بنسبة 79 %، و14 % للعمل القسري، وسرقة الأعضاء، في حين يتعرَّض 83 % من الضحايا الرجال للعمل القسري ممثلاً في التنظيف، والبناء، والخدمات الغذائية، والمطاعم، والعمل المنزلي، وإنتاج النسيج، و8 % للاستغلال الجنسي، و1 % لسرقة الأعضاء.
يشكِّل الاتجار بالبشر جريمة يعاقب عليها القانون الدولي، والكثير من النظم القانونية الوطنية والإقليمية. وبالنظر إلى تعقيد هذه المشكلة فقد صدر النظام السعودي حول مكافحة الاتجار بالأشخاص، الصادر برقم (م/ 40)، وتاريخ 21 رجب 1430هـ، يحظر المتاجرة بالأشخاص، أو إلحاقهم، أو نقلهم، أو إيواءهم، أو استقبالهم لأجل إساءة الاستغلال، بما في ذلك إكراهه، أو تهديده، أو الاحتيال عليه، أو خداعه، أو خطفه، أو استغلال الوظيفة، أو النفوذ، أو إساءة استعمال سلطة ما عليه، أو استغلال ضعفه، أو إعطاء مبالغ مالية، أو مزايا، أو تلقيها لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر؛ من أجل الاعتداء الجنسي، أو العمل، أو الخدمة قسرًا، أو التسول، أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء، أو إجراء تجارب طبية عليه.
وحتى لا تتحول الحالات الفردية التي تحصل حاليًا إلى ظاهرة، بعد أن سجلت المحاكم السعودية - حسب تقرير الإحصاءات العامة قبل عامين، وأكدته الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان - أكثر من 182 حالة، تم إنصاف 50 حالة منها، فقد قدر قانون مكافحة الاتجار بالأشخاص السعودي بالعقوبة لمن يرتكب إحدى جرائم الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على 15 عامًا، أو بغرامة مالية لا تزيد على مليون ريال، أو بهما معًا، وذلك وفقًا للمادة الثالثة؛ لتؤكد الدولة أن لا تهاون مع هذه الجريمة البشعة؛ لتعارضها مع الدين الإسلامي الحنيف، وأخلاق المجتمع، والقوانين الدولية، وأبسط مبادئ الإنسانية.
ووفقًا للمادة الرابعة، فإن العقوبات المنصوص عليها في النظام السعودي شملت الحالات الآتية: إذا ارتكبت الجريمة جماعة إجرامية منظمة، أو إذا ارتُكبت ضد امرأة، أو أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة، أو إذا ارتُكبت ضد طفل حتى ولو لم يكن الجاني عالمًا بكون المجني عليه طفلاً، أو إذا استعمل مرتكبها سلاحًا، أو هدد باستعماله، أو إذا كان مرتكبها زوجًا للمجني عليه، أو أحد أصوله، أو فروعه، أو وليه، أو كانت له سلطة عليه، أو إذا كان مرتكبها موظفًا من موظفي إنفاذ الأنظمة، أو إذا كان مرتكبها أكثر من شخص، أو إذا كانت الجريمة عبر الحدود الوطنية، أو إذا ترتب عليها إلحاق أذى بليغ بالمجني عليه، أو إصابته بعاهة دائمة. ورغم أن الإحصاءات الرسمية المحلية تشير إلى أن جرائم الاتجار بالبشر لم ترتقِ إلى حد الظاهرة، وبقيت في حدود المشكلة، فإن موقف المملكة ثابت ورافض لجميع أشكال الاتجار بالبشر تحت أي ذريعة؛ وعليه فإن كل من علم بارتكاب جريمة من الجرائم المنصوص عليها في النظام السعودي، أو علم بالشروع فيها، ولو كان مسؤولاً عن السر المهني، أو حصل على معلومات أو إرشادات تتعلق بها بصفة مباشرة، أو غير مباشرة، ولم يبلِّغ فورًا الجهات المختصة بذلك، يعاقَب بالسجن مدة لا تزيد على عامين، أو بغرامة لا تزيد على 100 ألف ريال، أو بهما معًا؛ وذلك وفقًا للمادة السابعة. ويُعفى من العقوبات المقررة في هذا النظام مَن يبلِّغ الجهات المعنية قبل تنفيذ الجريمة. أما إذا بلَّغ بعد وقوعها جاز إعفاؤه من العقوبة قبل البدء في التحقيق. وأما إذا حصل البلاغ أثناء التحقيق فجاز تخفيف العقوبة؛ وذلك وفقًا للمادة الـ 12. ويجوز للمحكمة المختصة استثناء الوالدين، والأولاد، والزوجين، والإخوة، والأخوات من أحكام هذه المادة.
بقي أن يقال: إن تطبيق كل ما يقضي به نظام العمل السعودي، ونظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بخصوص حماية الأشخاص، يقتضي - في المقابل - زيادة الوعي المجتمعي بخطورة هذه الآفة، وما ينتج من ذلك من مخاطر أمنية، وغير أخلاقية؛ الأمر الذي جعل السعودية تحقق بتلك المبادرات على صعيد مكافحة الاتجار بالبشر مستوى متقدمًا، ووضع جهود المملكة في موضع ريادي ضمن الجهود العالمية والإقليمية، إضافة إلى الجهود والتدابير الوطنية الأخرى في مجال منع جرائم الاتجار بالأشخاص، ومحاكمة ومعاقبة المتورطين فيها، وحماية الضحايا.