ياسر صالح البهيجان
تتجه معظم الدول إلى إنشاء جهاز يُعرف بـ»الشرطة البيئية»، يضطلع بمهام حماية البيئة والموارد الطبيعية من العبث، ويراقب مدى التزام الأفراد والمؤسسات بالقوانين واللوائح الصادرة عن الجهات المعنية بالحفاظ على البيئة، ويفرض الغرامات والجزاءات على المخالفين، ويكفل سلامة الصحة العامة من أجل بيئة أفضل للأجيال القادمة.
في المملكة، ثمة جهات متعددة تُعنى بالقطاع البيئي، منها وزارة البيئة وهيئة الأرصاد وحماية البيئة، وهيئة الحياة الفطرية، ورغم ما تبذله من جهود إلا أن غياب جهاز كالشرطة البيئية ذات الهدف الرقابي المباشر واليومي جعل مساعيها تذهب أدراج الرياح، إلى أن أصبحت السعودية في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث معدلات التلوث البيئي، وتسبب ذلك في هدر موارد مالية كبرى تقّدر بـ40 مليار ريال سنويًا لمعالجة آثار تلك التلوثات سواء في الهواء أو التربة أو المياه، وهي أرقام مخيفة وتؤكد حجم التدهور البيئي وتفرض أيضًا ضرورة اتخاذ تدابير عاجلة لإنقاذ بيئتنا وإعادة الحياة إليها مجددًا.
الأنظمة المقررة لحماية البيئة متوافرة وبدقة عالية، لكن الإشكاليّة الكبرى هو غياب الرقابة الصارمة لضمان تنفيذ تلك الأنظمة، لذا فإن إقرار جهاز «الشرطة البيئية» من شأنه أن يُحدث تحولاً جوهريًا لجعل القوانين ليست مجرد حبر على ورق، وإنما تصبح واقعًا ملموسًا ومُعيشًا، وينعكس أثرها في نظافة الطرقات والمتنزهات والحدائق والمناطق الساحلية والبراري، إضافة إلى حماية الحياة الفطرية والحد من عمليات الصيد غير المصرّح به، علاوة على دوره في رفع كفاءة حملات التوعية والتثقيف تجاه البيئة، وإسهامه في مراقبة طرق التخلص من النفايات وإعادة تدويرها، وآليات معالجة مياه الصرف الصحي، وغيرها من القضايا الخطرة التي تهدد بيئتنا.
حماية البيئة من العبث ليست خيارًا مطروحًا، وإنما ضرورة حتمية للنمو والتطوّر الحضاري، ولا يمكن لأي مجتمع أن يحقق تطلعاته نحو مستقبل أفضل دون الحفاظ على مقدراته البيئيّة التي متى ما كانت آمنة وصحيّة فإنها ستنعكس على جودة حياته. والحقيقة أن الوضع البيئي الراهن مثير للقلق، ويمثّل معوقًا رئيسًا لمساعي التنمية الطموحة، لذلك نحن بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى جهاز رقابي جديد تُمنح له الصلاحيات الكفيلة بتنفيذه للوائح والقوانين، لكي نتفادى ازدواجيّة مهام الجهات المختصة التي عجزت وفق الإحصائيات عن حماية بيئتنا بطريقة سليمة.