د.عبد الرحمن الحبيب
شاهدت قبل نحو سنتين صديقاً عزيزاً في إحدى القنوات الدولية، يجيب على سؤال حول انتقاد منظمة العفو الدولية لأحكام الإعدام في المملكة.. أجاب بانفعال بأن تلك المنظمة منحازة وتستهدف المملكة؛ وسأل المذيعة لماذا لم تذكر إيران، وهل وكيف.. وكأنه يوبخها على سؤالها ..الخ.
بعدها بيومين، قابلت هذا الصديق، وسألني عن رأيي بالمقابلة.. ولحظه السيئ - أو الجيد - أنني كنتُ أجمع دراسات عن أخطاء طرق الرد على أسئلة الإعلاميين.. ولأني «أمون»، نغصت عليه كثيراً، قائلاً: يا أخي، أوافقك على أفكارك، لكن كلامك غير موفق بالطريقة والأسلوب والتحضير للموضوع، حسب وجهة نظري؛ إذ جمعت كافة أنواع الخلل بردك لقناة دولية لديها معلومات غير واضحة عن المملكة بهذا الجانب.. سأعرض هنا ملاحظاتي بعد ترتيبها..
الخلل الأول هو عدم اطلاعك على نص التقرير من تلك المنظمة وليس ما قيل عنه في الإعلام؛ ويشاركك بهذا الخطأ المذيعة بالقناة؛ كلاكما أخذ ما روج له الإعلام. التقرير انتقد سبع دول، أولها إيران وكان التركيز عليها أكثر من غيرها، وكان من ضمن الدول أمريكا، وآخرها كانت السعودية لمسها لمساً خفيفًا. وللأسف، كان ردك وكأن السعودية هي وحدها المنتقدة، فقدمت خدمة لخصومها دون قصد!
الخلل الثاني، هو كأنك في قناة محلية تخاطب الجمهور السعودي وتطرح مسلمات يدركها، بينما القناة دولية لجمهور خارجي أغلبه لا يعرف خلفية الموضوع ولا يعد ما تطرحه مسلمات؛ فكان عليك توضيح الملابسات فيه، ومخاطبة المشاهدين على نوعية ثقافتهم.. الثالث هو الخلل المنهجي بالرد على الأسئلة بأسئلة وليس بأجوبة، مما استفز المذيعة لتقول لك: أرجوك، أنا من يطرح الأسئلة وليس أنت! الخلل الرابع هو الانفعال وعدم الهدوء.. فرغم أن السؤال مستفز، لكن رفع الصوت أو اتهام جهة الانتقاد لا يؤدي لإجابة مفيدة بل قد يأتي بنتائج عكسية لمرادك.
نتيجة لكل ذلك يأتي الخلل الخامس - وهو الأسوأ - بتحويل المحايدين إلى خصوم حين تهاجمهم.. فالمحايدون من الجهات المنتقدة (مثل المنظمات الحقوقية) تنتقد كل دول العالم، وأسئلة المذيع هي انتقادات مطروحة على جميع الدول.. وحتى لو كانت أسئلتهم منحازة، ولو طرحوا افتراءات ضد المملكة فإن الانفعال ورفع الصوت لن يجدي طالما أنك وافقت على الظهور فيها. أما آخر الأخطاء فهي استخدام لغة تقريرية مملة، تستخدمه الجهات الرسمية بحكم طبيعتها النظامية التي تتطلب ذلك.. فليس مهماً فقط ما تقوله من حقائق تقريرية، بل أيضاً في كيفية طرحها بأسلوب توضيحي مقنع..
ما يفاقم هذه الأضرار عندما يتكلم الإعلامي السعودي في قناة خارجية ويقول «نحن» بلغة تعني أنه رأي الدولة والمجتمع، مع أنه فرد محلل مجتهد.. هذا ما اضطر الخارجية السعودية أكثر من مرة أن تعلن أن فلانًا لا يمثلها، بل يطرح وجهة نظره الشخصية، لتتفادى الأضرار الذي سببها اجتهاد هذا الإعلامي الحريص، «فما كل مجتهد مصيب»!
منذ سنين وأنا أشعر بالقلق عندما أشاهد إعلامياً سعودياً في القنوات الدولية خشية ارتكابه بعض هذه الأخطاء؛ لكن الجيد هنا، أن هناك تحسناً ملحوظاً في الأداء، إذ ظهر مجموعة من الشباب السعودي الهادئ في الرد على الأسئلة المستفزة، والمُطَّلع على تفاصيل خلفية الموضوع، والعارف بنوعية الجمهور الخارجي المستهدف، بحيث يجمع بين الحقائق التقريرية والأسلوب الجاذب..
وإذا كان هذا التحسن جيدًا إلا أنه غير كافٍ لأنه يعتمد على جهود أفراد، فنحن بحاجة لمؤسسات ترعاه وتضع له مناهج فعالة. وحسناً فعلت وزارة الثقافة الإعلام الأسبوع الماضي بإنشاء «مركز التواصل الدولي» الذي يهدف لتعزيز العلاقات مع وسائل الإعلام الدولية، والمزيد من الانفتاح على الجمهور العالمي، للتصدي للحملات الإعلامية الهادفة لتشويه سمعة السعودية بمعلومات مغلوطة. وليس هذا فحسب، بل - ولعله الأهم - العمل كحلقة وصل وتنسيق مع الجهات العالمية من وسائل الإعلام ومراكز أبحاث ومؤسسات ثقافية، واستضافة إعلاميين عالميين.. هذا الانفتاح على الإعلام العالمي يدعو للتفاؤل بأن يكون للإعلام السعودي دور فعال في إيضاح وجهة النظر السعودية للعالم.
مشكلة إعلام أية دولة عندما يخاطب نفسه، غير مكترث بالعالم الخارجي! نحن في زمن الإعلام الإلكتروني الذي تتكسر فيه حدود الدول ويختلط به الحابل بالنابل، ولا تكفي معه طرح الحقائق بل طريقة عرضها. طريقة العرض الإعلامي الناجحة حالياً هي المعتمدة على مقطع فيديو جذاب قصير، سهل الفهم، يراعي ذوق الجمهور وسرعة تدفق المعلومات، ويجمع بين الحقائق والإثارة؛ أو نص قصير يحمل نفس سمات المحتوى المرئي.
في حوارات إعلاميينا السعوديين مع القنوات الدولية، ينبغي التركيز على هذه الخصائص لتجاوز سلبيات المرحلة السابقة، التي كان يكتنفها ما اسميه الأخطاء الستة، وهي: ضعف الاطلاع على تفاصيل وخلفية الموضوع قيد النقاش؛ عدم تحديد الجمهور المستهدف؛ تحويل المحايدين لخصوم؛ الانفعال؛ الخلل المنهجي في الردود على الأسئلة مثل تحويل الجواب إلى سؤال؛ الاكتفاء بالحقائق التقريرية دون مراعاة أسلوب عرضها.. فليس المهم ما تقوله، بل كيف تقوله.. ففي زمن الإنترنت طريقة عرض الوقائع أهم من حقيقة هذه الوقائع..