عبد الله باخشوين
.. في إحدى مسرحيات ((مولير)).. يدور هذا الحوار بين ((المثري النبيل)) او ((الثري النبيل)) أي حديث النعمة الذي لا يجيد القراءة والكتابة.. وبين كاتب الرسائل..!
- أريد ان تكتب لي رسالة....!
- وهل تريدها شعراً ام نثراً يا سيدي؟
- لم أفهم.. هل هناك شعر و نثر؟
- نعم يا سيدي.. فالشعر موزون ومقفى... ((يضرب له مثلاً ببيت من الشعر)).
- إذن هذا هو الشعر.. طيب.. والنثر..؟!
- النثر مثل حديثي معك الآن.
- هل كلامي هو نثر..؟!
- نعم يا سيدي..
يضرب الثري على جبهته مندهشاً ويقول:
- سبحان الله.. مضى عمري كله وأنا اتحدث نثراً دون أن أعلم.
.. في عرفي الخاص أن غناء النساء في الأفراح تتخلله أهم ((قصيدة نثر)).. وهي ((الزغرودة)) فهي تنتمي لطقس الفرح.. لكنها لا تدخل في غناء المنشدات الا كتعليق عليه.. وقد تكسر الإيقاع للتعبير عن حالة إعجاب شديد بشعر المنشدات وبمعاني كلماتهن وبكل طقس الغناء.
((الزغرودة)) تعبير نثري خارج طقس الكلام.. وليس خارج طقس الفرح.. او ربما تكون هي ((القصيدة الخرساء)).. او هي تهليلة: ((ياهوووه)) العشوائية التي تنطلق من بعض الحناجر.. بغير انتظار وفي لحظة نشوة.. ونسمعها كثيراً في تسجيلات أغاني الجلسات الخاصة لمحمد عبده وطلال مداح وغيرهما.
.-.
.. وطبعاً من ((الشعر الفرنسي)) انتقلت ((قصيدة النثر)) إلى لبنان.. وأعيد نشرها بجنود مجندة لتزاحم قصيدة ((التفعيلة)).. حتى كاد يصبح أنسي الحاج.. وشوقي ابو شقرا ويوسف الخال.. أكثر شهرة من السياب والبياتي والحيدر وعبدالصبور.
هي كما اطلق عليها ((قصيدة الإعاقة)).. التي أعتقد أنها من أهم الأسباب التي وصلت بقصيدة ((التفعيلة)) إلى نهايتها.. بعد رحيل وصمت كل رموزها الكبار.. وجنوح البقية لساحة النثر.. دون أن يلامسوا مستوى محمد الماغوط.. ودون أن يتجاوزوا إسفاف النثر الذي يكتبه واحد مثلي.. اما القصيدة التقليدية فهي لم تحظ - حتى الان - بمواهب كبيرة تعيد لها وهجها وألقها.
.-.
.. في قصيدة شهيرة للشاعر اليوناني الكبير ((كفافى)) بعنوان ((في انتظار البرابرة))
هناك خاتمة.. ولا أجمل.. فبعد الاستعداد والترقب لقدوم ((البرابرة)) تأتي لحظة النهاية:
- ((لن يأتي البرابرة..
ماذا نفعل بدون البرابرة)).