فهد بن جليد
ما حدث في حج هذا العام من نجاح وتفوق وتنظيم، تجاوز مفهوم فن إدارة الحشود الذي تميزت فيه المملكة على مدى عقود طويلة بشهادة المنظمات العالمية والمجتمع الدولي، إلى التأسيس لمفهوم جديد من السلوك الراقي في الاتصال الجماهيري والبشري، وهي مرحلة مُتقدمة جداً في منظومة فن التعامل، جمع فيها السعوديون بين أحدث النظريات والمفاهيم العلمية، وبين (السكينة) التي دعا إليها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ومازال رجال الأمن في المشاعر يحثون الحجيج عليها بالهدوء والحذر في التنقل، كأحد أسرار إدارة هذه الكُتل البشرية بنجاح.
العديد من المنظمات العالمية والدول حاولت الاستفادة من خبرة المملكة في فن إدارة الحشود، في أكثر من مناسبة ومؤتمر دولي يتم فيه طرح ورقة عن الإدارة البشرية للحج، كون إدارة الحشود (ماركة سعودية) تتكرر كل عام بنجاح مع ثقافات مُتعددة، ومستويات تعليمية ومعرفية مُتباينة، عكس ما يحدث في المناسبات العالمية الأخرى التي تضمن الحد الأدنى من المستوى التعليمي والاقتصادي والثقافي المُتشابه بين الحضور.
علم إدارة التجمعات البشرية توليه الدول المُتقدمة جلَّ عنايتها واهتمامها، تبعاً لحاجتها في إدارة الحشود في المؤتمرات والمعارض الكُبرى، والمناسبات الرياضية، أو الأحداث السياحية وغيرها من المناسبات التي يحضرها ملايين البشر عادة، وتحتاج إلى تنظيم في الاستقبال والتنقلات، وتأمين للسكن والمأكل والمشرب والخدمات الأخرى، مع وجود فسحة في تغيير الأماكن والأوقات لتتكيف مع الإمكانات والظروف المناخية والأحداث المُحيطة، وهو التحدي الذي تفوقت فيه المملكة - بخصوصية الزمان والمكان - وأعمار الحجيج المُتقدمة عادة، وظروفهم الصحية، ولغاتهم المُتنوعة، وثقافاتهم وبيئاتهم المُختلفة، مع تغير الحجاج والزوار في كل موسم، مما يرفع من مستوى التحدي كل عام، ويجعل المهمة معقدة للغاية.
المُتأخرون من حجاج بيت الله الحرام يغادرون هذا اليوم -الاثنين - المشاعر المُقدسة بعد أن أتموا حجهم، الذي تميز هذا العام بالنجاح والهدوء والسكينة والطمأنينة والأمن والخلو من الأمراض والحوادث، وهو موسم استثنائي - ولله الحمد - يحق لنا أن نفخر به، ففيه أعاد السعوديون اكتشاف قدراتهم من جديد، بتعزيز الثقة في أبناء وبنات هذا الوطن لتقديم الرعاية والاهتمام لضيوف الرحمن، بدرجة عالية من الاتقان والخبرة في مختلف القطاعات، وفق توجيهات وتطلعات قيادتنا الحكيمة في خدمة الحرمين الشريفين وقاصديهما، وتكذيباً لتوقعات ورغبات وآمال المُرجفين الحاقدين، الذين أخرسهم الواقع عندما شاهده وشهد به العالم.
وعلى دروب الخير نلتقي.