علي الصراف
تملك جمهورية قطر الديمقراطية الاشتراكية الشعبية قنبلة نووية، مثلما تملك كوريا الشمالية تماما. ومثل هذه الأخيرة، فإنها تهدد منطقتها ومحيطها باستخدام تلك القنبلة لتنفجر في مجتمعات أخرى كما انفجرت مثيلاتها في العراق وسوريا، حيث تحول «الإسلام السياسي» إلى قوة تخريب شامل، حوّلت كل بركة انتماء طائفي إلى مستنقع عريض للإرهاب.
صحيح أن قنبلة كوريا الشمالية مجرد قنبلة عسكرية يمكنها أن تحرق موقعا فتبيد بضعة مئات من آلاف البشر، إلا أن قنبلة جمهورية قطر، يمكنها أن تبيد مجتمعات بأسرها وتحطم كل مقومات حياتها وتعيدها إلى عصور الجاهلية الأولى دفعة واحدة.
وتملك جمهورية قطر الإسلامية، بقيادة الولي الفقيه حمد بن خليفة آل ثاني، ما هو أكثر من تلك القنبلة، فتراها، كما تفعل كوريا الشمالية، تكابر وتعاند وتستفز، وتواصل السير في الطريق الوعر الذي اختارته لنفسها، لأسباب عقائدية تجبرها على النظر إلى العالم الذي تعيش فيه على أنه عالم يجب أن يتغير على يديها هي بالذات دون سواها. لأنها تملك الفقه كله، ولأنها تملك أن تموّل التشرذم والتمزيق والفوضى، وكل مَنْ يتخذ من الإسلام غطاء للوحشية. وتملك جمهورية «قناة الجزيرة»، قنبلة هيدروجينية تستطيع أن تحوّل كل فقاعة إرهابية إلى خبر مثير، وتمجد «أبطاله»، وتذهب إلى موقع الانفجار قبل حدوثه لتصويره، ذلك لأنها تعتقد أن الدنيا مجرد تلفزيون، وأن الحياة مجرد مشهد مروع، وأن اختلاف الآراء، فيه وفي غيره، مجرد عمل من أعمال تبادل الشتائم والضرب المتبادل تحت حزام ضحالة العقل وقلة الأدب.
وتملك ولاية «المجد التميم» أسلحة فتاكة، محشوة بالكلام الفارغ، والصياغات الغبية، مثلها مثل تلفزيون كوريا الشمالية، فتقدم قوالب خشبية، تبدو ذكية لصانعها، لكي تشعر دول المنطقة بأسرها من اليابان إلى الولايات المتحدة، بأن تلك الأسلحة يمكنها أن تهز الاستقرار والأمن الدولي برمته.
ومثلها مثل كوريا الشمالية تعيش دولة الخلافة في قطر التابعة لتنظيم الاخوان، على صبر الآخرين وحكمتهم فحسب. وقد تعرف أنها أصغر وأضعف من أن تبقى على قيد الوجود لو انقلبت الأزمة إلى مواجهات عنيفة، إلا أنها تظل، مع ذلك، تواصل الاندفاع على طريق الهاوية، في تحدٍ صفيق لطاقة الآخرين على التحمّل.
والسؤال بسيط جدا: أهذه حياة أم أنها جنون مطلق؟
هل يمكن لبلد مثل قطر، يملك أن يكون قوة خير وبناء وإعمار في محيطه الخليجي والعربي والإسلامي، أن يتحول إلى مجرد مشروع للهذيان الأيديولوجي؟
هل يجوز لدولة، أيا كانت، أن ترهن نفسها لتنظيم سياسي، تاريخه أسود، وحاضره أسود، وهو مجرد مافيا انتهازية وتخريب، مثل تنظيم الاخوان. وماذا يريد الآخرون من قطر أكثر من أمنهم؟
ماذا يريدون منها أكثر من أن يُتركوا ليعالجوا قضاياهم بالطريقة التي يرونها مناسبة لأنفسهم؟
ولماذا يتعين على مجتمعات أنتجت كل ما أنتجته من فكر وثقافة ومعرفة وسياسة وخبرات وأدب، أن تتلقى النصح والتوجيه من تنظيم سياسي هزيل، يحمل في داخله من العار ما يكفيه؟
لماذا تحمل قطر على أكتافها عبء تغيير العالم ليأتي على صورة تصوّر مروّع كتصوّر دولة الخلافة لتنظيم الاخوان؟ وهل يعقل أن يكون هذا العبء من دون عواقب؟
وهل الدنيا تلفزيون؟ وهل قضايا العيش، هي قضايا نقاش محموم، وفكر مهووس، وصخب ممسوس؟
وأين يمكن لقطر أن تقع بكل هذا، غير أن تقع على شمال كوريا الشمالية، أو شمال التطرف، جنوب المعنى، وشرق الهذيان، وغرب العقل.