«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
قالوا ومنذ القدم، خلف كل رجل ناجح امرأة ناجحة، والعكس صحيح خلف كل رجل فاشل امرأة فاشلة، هكذا إذن كل رجل ناجح زوجة محبة ومخلصة أنكرت نفسها كثيرا من أجل نجاح زوجها في مجال عمله وحياته، وراحت تنكر نفسها في سبيل أسرتها وتتيح لزوجها الفرص كاملة للعمل والانتاج والابداع.
وملايين من النساء في مختلف دول العالم مارسن هذا الأسلوب وانكار الذات من أجل أزواجهن، بل وحتى أبنائهن ولو قلبت أوراق التاريخ وتصفحت جوانب عديدة من حكايات وقصص نساء عظيمات وقفن بحب خلف أزواجهن، والوقوف هنا يتمثل في العديد من جوانب الحياة الأسرية المختلفة بدءا من عدم الضغط على الزوج أكان موظفاً صغيراً أو حتى كبيراً بكثرة الطلبات، وشراء أشياء ليست ضرورية ولا ذات أهمية مما يرهق الزوج ماديا بصورة غير معقولة، ومن هنا فالزوج الذي تقف خلفه زوجة مسرفة لا تجيد عملية الترشيد والتقنين بل يهمها أن تكون في وضع فيه الكثير من الفشخرة والمظهرية على حساب ارهاق زوجها فتجده خصوصاً إذا كان موظفا محدود الدخل أو حتى موظف بسيط أو يعمل كما يقال متسببا، وعلى باب الله أو في القطاع الخاص، تجده المسكين لا يستطيع توفير كل ما يطلب منه.. مصاريف البيت.. فواتير الكهرباء والماء والهواتف، ورواتب العاملة المنزلية، وربما راتب سائق إذا كان لدى الأسرة أبناء وبنات بحاجة إلى توصيلهم لمدارسهم، غير ما يستهلكه البيت من مصروفات تأتي فجأة ولم تخطر على البال، كهدايا المناسبات الاجتماعية، أو حتى لصيانة السيارة إضافة إلى سداد اقساطها، فالموظف المحدود الدخل لا يمكنه شراء سيارة بالكاش، فهو هنا يتجه إلى الطريقة الوحيدة التي يتجه إليها أمثاله، بالأقساط، والتي تأخذ أيضا من «رويتبه» الكثير ولا يبقى منه القليل الذي لا يكفي لكل ما تحتاجه أسرته.. لكن وما أروع لكن هنا، عندما تكون الزوجة مدبرة ومحبة لزوجها وأسرتها فتجد أمثال هذه المرأة تعمل في صمت بحيث توفر المال لزوجها، وهذا لا يعني بخلا وإنما مشاركة في أعباء ميزانية البيت الشهرية، فكثير من الزوجات الصالحات وقفن خلف أزواجهن عبر دمعهن معنويا وماديا فكثيرات وحسب ما هو مشاهد تجدهن يشاركن في بيع أنواع مختلفة من البضائع التي ينتجونها في بيوتهن، ومنذ القدم كانت المرأة المواطنة تجدها في الأسواق الشعبية أو في زوايا الأحياء يبسطن بمنتوجاتهن المختلفة البسيطة والمطلوبة، بل هناك من اصبحن ثريات بحصافتهن وحكمتهن، فكون أسر وأبناء يشار إليهم بالبنان.
والذي جعلني أكتب هذه «الاطلالة» لهذا اليوم هو عرض أحدهم تلك الصورة التي باتت متداولة بل شهيرة، لزوج في الحج يصلي تحت ظلال زوجته، التي وقفت تحميه من أشعة الشمس في مشهد لا أروع، ومثل هذه المرأة الفاضلة والمحبة لزوجها ملايين، يقفن ومنذ لحظة اقترانهن بأزواجهن، وقفة الفعل والعمل المشترك وانكار الذات في سبيل الآخر وتقديم تنازلات، فليس كل زوج كاملاً، وليست كل زوجة كاملة ومثالية، وهنا يتطلب من الزوجين فعل ذلك، والوقوف معا خلف بعض، حتى ترفرف طيور الحب والسلام والسعادة على عشهم الزوجي للابد، فلا أحد في هذه الحياة لا يحتاج للآخر خصوصا الزوجين، فكما بدآ معا، سوف يأتي اليوم الذي لا يجد في بيتهما الا هما.. فهذه سنة الحياة، يكبر الأبناء والبنات ويذهب كل واحد في طريقه الذي كتبه الله له، وفي حالة نادرة ربما تردد بعضهم على هذا البيت ولكنه تردد كمرور الكرام، وكم من أم وأب راحا يرددان بينهما وبين نفسيهما أغنية فيروز الشهيرة (زوروني كل سنة مرة.. حرام تنسوني بالمرة...).