د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
** في سيرتها الذاتية الضخمة (تجربتي مع قادة ومشاهير العالم) -جاءت في ثماني مئة صفحة- روت الإذاعية الجديرة «باربرا والترز» أنها أفادت من «هنري فورد الثاني» حين خاطب المشاهدَ في لقاء متلفزٍ نادر أجرته معه قائلاً: «أعطِ عذرًا واحدًا ولا تعطِ عذرين أبدًا»، وتضيف: أنها بعد توصيته لم تعد تعتذر عن عدم حضور مناسبة بالجلوس مع ابنتها وإصابتها بنزلة برد إذ يكفي أحدُهما.
** اعتدنا من يطيل الاعتذار ومن يبالغ في المديح ومن يسرف في الهجاء مع أن البلاغة الإيجاز، ويمحو الذنوبَ استغفار، ويختصر المدحَ الحمدُ،ويكفي للنأي التعوذ؛ فلعله إسار اللغة وإزارها لا يأذنان بقليل القول ولا يؤمنان بفطريِّ التخاطب.
** وفي علاقاتنا المباشرة قد نُضطر إلى بذل وقتٍ كي نقنع بعضنا خشية تأويلٍ أو تحليلٍ أو تعليل تفرزه استفهامات: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟، ونغبط من لا يبالي بما يفهمه الآخرون منه أو عنه كما لا يعنيه مقالهم أو مقامهم ما دام قد شرح موقفه ببيانٍ ومعانٍ لم يرفقها بـ: «أتاني أبيتَ اللعنَ أنك لمتَني.. وتلك التي أهتم منها وأنصبُ».
(2)
** لم تغادر ذاكرتَه حكايةُ العميد الأكاديمي الذي استدعى طالب الدراسات العليا بعد الفراغ من صلاة المغرب ليحاسبه على عدم صلاته، وحين أجابه بأنه قد صلى خلفه ونهض عقب الصلاة مباشرة وأعاده إلى السورتين اللتين قرأهما في الركعتين الجهريتين أصرَّ على أنه لم يصلِّ معهم وأن استدعاءه السورتين كانت بسبب علو صوت الإمام.
** زمَّ الطالب شفتيه تعجبًا إذ لم يؤدِّ الصلاة لإرضائه، وغادر مكتب العميد دون أن ينتظر قراره أو إقراره واعيًا منطق الفرض والرفض كما يعيه شاب في أول عشريناته موقنًا أنه لو لم يصلِّ فقد كان الأجدرُ بالعميد قبولَ عذره ظاهريًا كي لا يخسر ثقته ولا يدفعه إلى رد فعلٍ ينقله إلى شاطئ المكابرة.
** هكذا نحن حين نحصر الناس في زوايا ضيقةٍ تشكك في عقائدهم أو انتماءاتهم اتكاءً على معايير خاصة نفصلها وفق أمزجتنا وولاءاتنا، وهو ما يفعله التصنيفُ والتصنيم معًا؛ فأنت منهم إن كنتَ بهذه السمات ولستَ كذلك إن خالفتَها؛ فإذا دار الزمن داروا معه ولو أصبحوا بهلواناتٍ يُسيّرها الواقع لا المبدأ، وربما خالفت الوقائعُ المواقفَ فبدا التناقض الذي قد يحرف اتجاهات البوصلة بعيدًا عن المنطق والنطاق.
(3)
** لا مكان في عالم الكلمة لمفهوم «الاعتذار والإقرار» الإجباري، وربما صح هذا في زمن الأحادية التي كانت تمنح وتمنع وتأذن وتُصادر، أمَا وقد صار الناس يسكنون بيتًا واحدًا دون حراس أو بحراسٍ يسهل تخطيهم فلا قيمة لوصايةٍ تتبدل شروطها وتُخترق أسوارها.
(4)
** كن أنت أنت.