إعداد وتصوير - د. محمد بن يسلم شبراق / تصوير - محمد المحترش:
بعد النجاحات التي حصدها الفعاليات التوعوية للنسور نشأت فكرة اليوم العالمي للتوعية بالنسور عن طريق برنامج الطيور الجوارح في جنوب أفريقيا وجمعية المحافظة على الباز البريطانية، حيث عملا معاً لتطوير هذا العمل ليصبح الأن من أهم الفعاليات التي تعقدها العديد من الجهات والمنظمات العالمية المهتمة بالمحافظة على الحياة الفطرية بالعالم سنوياً في معظم قارات العالم، والذي قرر له بأن يعقد سنوياً أول يوم سبت من شهر سبتمبر، ويوافق هذا العام الثاني من شهر سبتمبر 2017م.
وتتركز معظم الفعاليات خلال هذا اليوم لتقديم برامج توعوية للتعريف بأهمية النسور ولإبراز دور هذه الطيور في النظام البيئي وما تقدمه من خدمات مجانية للبشرية، والتعريف بما تواجهه النسور من مخاطر عديدة معظمها سواء بصورة مباشرة او غير مباشرة من تأثير الإنسان، مما أدي إلى تناقص أعدادها بشكل كبير وملفت للنظر حتى دخل بعض أنواع منها قائمة الأنواع المهددة بالإنقراض وانواع أخرى تعدت ذلك لتقترب من محطة مرحلة أخرى تعرف بدوامة الإنقراض ويندرج تحتها الأنواع التي يصعب إنقاذها. ومن خلال هذه المقالة أستعرض معكم أسباب تدهور أعداد النسور بالعالم والجهود العالمية التي بذلتها عدة جهات حول العالم سعيا وراء إنقاذ ما يمكن إنقاذه من نسور العالم القديم.
نسور العالم القديم
يوجد بالعالم 23 نوعاً من النسور، منها 16موجودة بالعالم القديم (ويقصد بنسور العالم القديم هي النسور الموجودة بالقارات الثلاث أوروبا وآسيا وأفريقيا)، وسبعة موجودة بالعالم الجديد (الأمريكتين). من أهم المميزات الشكلية للنسور هي: خلو منطقة الرأس وأحياناً الرقبة من الريش، وهي صفة هامة لها علاقة بتكيفها مع طبيعة تغذيتها الرمية، حيث تتغذى على الحيوانات النافقة، وهذا النوع من الغذاء يحتوي على سوائل (مثل الدم والماء المتعفن نتيجة تحلل أحشاء الحيوان النافق) وعند تغذية النسور عليها فإن التصاق هذه السوائل بالريش بمنطقة الرأس شيء لا بد منه، ولعدم قدرة النسور على تنظيف منطقة الرأس لذا فإن خلو هذه المنطقة من الريش مهم حتى لا تتأثر النسور بالأمراض نتيجة لوجود هذه الملوثات، وقد أبدلها الله سبحانه وتعالى بريش خفيف أوزغب أبيض خفيف وكثيف يتساقط بشكل دوري، وبذلك يمنع وصول المواد المتعفنة لسطح الجلد.
معظم نسور العالم القديم هي طيور مهاجرة ما عدا نوع واحد يسمى النسر نخيل اللوز موطنه أفريقيا ولا يهاجر، كذلك من ضمن قائمتة الغذائية وجود وجبات نباتية بجانب التغذية الرمية، أما الباقي (15نوعا) فهي طيور مهاجرة منها من هو موجود ويتكاثر في الثلاث قارات ويهاجر بينها مثل الرخمة المصرية، والنسر الأسمر، ومنها من يهاجر ولكن لمسافات قصيرة مثل النسر الملتحي، ومنها من هو موجود في قارتين مثل النسر الأسود (يوجد في آسيا وأوروبا) وأحياناً قليلة يصل خلال هجرته إلى شمال أفريقيا، وكذلك نسر الأذون والذي يوجد في غرب آسيا وأفريقيا ولم يسجل عبوره بين القارات الثلاث.
وبالرغم من الإنتشار الواسع للنسور في القارات العجوز، إلا أن أعدادها كما ذكرت سابقا تناقصت بشكل كبير، مما أدخل 11 نواعاً منها عام 2015 م قائمة الأنواع المهددة بالإنقراض للإتحاد العالمي لصون الطبيعة (IUCN)، أما الاربعة انواع الباقية فهي ليست أحسن حظاً فأعدادها في هبوط مستمر مما أدى الى دخول ثلاثة منها في قائمة الأنواع القريبة من مرحلة التهديد بالإنقراض، أما النوع الأخير وهو النسر الأسمر فبالرغم من تناقص أعداده خاصة لدينا بالمملكة، الا ان الدراسات التحليلية للاتحاد العالمي لصون الطبيعة لم تدخله الى قائمة الأنواع المهددة بالأنقراض أو القريبة من مرحلة التهديد بالانقراض بعد.
تدهور أعداد النسور
كان من أبرز النشاطات التي لفتت الإنتباه لتناقص أعداد النسور عالميا هو أعلان تنبيهي عالمي عن طريق جمعية بومباي للتاريخ الطبيعي في عام 2003 م عن تدهور أعداد النسور بالهند بشكل مفاجئ وملفت للنظر، وبالرغم من التناقص العالمي للنسور في معظم مناطق الإنتشار بالقارات القديمة، إلا أن نسبة تدهور أعداد النسور بالهند أقلق العاملين في مجال المحافظة على الطيور، حيث وصل أعداد النسور في عام 2003 م إلى حوالي 10,000 نسر فقط من اجمالي 40 مليون نسر في تسعينات القرن الماضي.
ولأهمية النسور في النظام البيئي فقد تحركت عدد من المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية لدراسة وحماية النسور لوضع برامج عالمية لإنقاذ النسور بالقارة الهندية، لتبدأ مرحلة جديدة من التقصي ومعرفة أسباب تدهور أعداد أنواع النسور السمراء بالهند ولإنقاذ النسر الأسمر الهندي والنسر الأسمر أبيض الظهر الآسيوي، واللذان تناقصا بنسب مرعبة تصل في الأول إلى 97%، والثاني إلى 95%. وفي عام 2006 م ظهرت أولى النتائج التي أشارت إلى أن من أهم أسباب هذا التناقص يرجع الى التسمم الحاصل للنسور نتيجة استخدام دواء يعرف باسم الدايكلوفيناك (Diclofenac) والذي يعطى للماشية ليساعد على تخفيف الآلام ولكن وجد ان هذا الدواء يظل بأنسجة الحيوانات بعد نفوقها، وعليه عندما تتغذى النسور على هذه الحيوانات تتسمم وتصاب بفشل كلوي، مما يجعلها تهزل لتصل خلال شهر واحد الى المرحلة الحرجة لتواجه سكرات الموت حتى ان أحد زملائي الباحثين من الهند وهو د. فايبو براكاش من جمعية بومباي للتاريخ الطبيعي ذكر لي أنه كان يشاهد النسور تسقط من الأشجار داخل المحميات والمنتزهات.
وعلى إثر ذلك فقد قامت الهند وباكستان بمنع استخدام هذا الدواء مع المواشي، مما أدى الى ظهور زيادة طفيفة في أعداد النسور في باكستان (دراسة شمجشيد شوداري وآخرون في بحثهم الذي نشر عام 2013 م والذي أشار الى وجود زيادة في أعداد النسور بباكستان بعد أن تم منع استخدام دواء دايكلوفيناك مع المواشي).
ولكن ما يؤسف له أنه بالرغم من منع إستخدام الدواء في علاج الماشية بالقارة الهندية، إلا أنه إستخدامه بدأ ينتشر في دول أفريقية وأوروبية، وللأسف الشديد فبالرغم من معرفة الكثير من الدول بهذه المشكلة، فإن هذا الدواء سمح بإستخدامه في بعض الدول الأوروبية ربما لرخص ثمنه، مما جعل الكثير من المنظمات البيئية تقوم بحملات لمنع استخدام هذا الدواء حتى لا تتأثر النسور الأوروبية والأفريقية والتي هي الأخرى اختفت من الكثير من مناطق انتشارها السابقة، كما يجب ملاحظة أن تأثيره ليس على النسور فقط، فقد أكدت دراسات منشورة بالهند والقارة الأفريقية إلى أن هذا الدواء أثبت تأثيره على العقبان ونسور في مناطق أخرى، وأرجو من الله العلي القدير أن تتنبه الجهات ذات العلاقة بالمملكة للتأكد من عدم استخدام هذا الدواء مع المواشي حتى لا نحرم من جمال تحليق وطيران النسور في بلادنا الغالية.
ماذا يعني اختفاء النسور؟
كلنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى لم يخلق كائنا صغيراً أو كبيراً إلا لحكمة يعلمها الخالق سبحانه، ومهما فسر العلماء اهمية المخلوقات الا أن نتائجهم مازالت قاصرة على فهم ما حولهم، وأذكر مثل دائما أعلمه لطلابي لفهم ذلك من خلال النظر إلى ماهية الذهب الأسود (البترول) والموجود في باطن الأرض، والذي يعرفة العلماء على انها كائنات دقيقة عاشت قبل ملايين السنين وتحللت و... والآن بعد مرور ملايين السنين نرى أثره على العالم والبشرية، وعليه فالحكمة في وجود النسور ليس محدداً فقط بما يقوم به العلماء من تحديد عوامل ومؤشرات تدل على أن النسور هي جزء مهم في النظام البيئي، وعلى أساس أنها تقدم خدمات جليلة للبشرية بتخلصها من الحيوانات النافقة فتخلص البشرية من الأمراض المعدية، فقد وثقت دراسات علمية دور النسور بالنظام البيئيي، من خلال ما تقدمة من خدمة مجانية للبشرية، فهي تتغذى على الحيوانات النافقة والتي يموت الكثير منها جراء الأمراض فمنها ما هو وبائي كمرض الجمرة الخبيثة، وعليه فإنها تنهي انتشار هذه الأمراض، وعلى سبيل المثال الذي يوضح اهمية النسور ودورها في النظام البيئي الدراسات التي تمت هنا في المملكة في المناطق المحيطة بمحمية محازة الصيد شرق مدينة الطائف، حيث تشير الدراسات إلى أن النسور تقوم بالتخلص من 32% من الحيوانات النافقة حول المحمية، بينما الثدييات ممثلة فقط بالثعالب وقليل من الكلاب الضالة تقوم بالتخلص من 3% فقط، أما الباقي فيتحلل تلقائياً بواسطة الحشرات واللافقاريات الأخرى وهذا بالطبع يأخذ وقتاً طويلاً مما قد يؤدي الى زيادة نسبة العدوى بالأمراض المعدية، وللمعلومية فإن الدراسة أشارت إلى أن أعداد الماشية تمثل تسعة أضعاف القدرة التحملية للمراعي بالمنطقة.
ومن الدراسات الأخرى التي تشير لأهمية النسور ما تم بالقارة الهندية حيث وجد ان سكان المناطق الفقيرة كانوا يستفيدوا من وجود النسور بصورة غير مباشرة وذلك عن طريق جمع عظام الحيوانات الميتة بعد تغذية النسور عليها وطحنها ثم بيعها مرة أخرى كبودرة كالسيوم ليدخل في صناعة السماد العضوي للزراعة، ونتيجة لتناقص أعداد النسور أدى لزيادة العاطلين في القرى الفقيرة، والأعظم والأخطر من ذلك أن مع اختفاء النسور زادت جثث الحيوانات النافقة، مما أدى إلى زيادة أعداد الكلاب الضالة نتيجة وفرة الغذاء لها حيث قدرت أعداد الزيادة للكلاب الضالة إلى سبعة ملايين كلب بين عامي 1992-2003 م، وهذا أدى إلى زيادة انتشار مرض داء الكلب بالمناطق الريفية والذي أصبح من أكثر الأمراض القاتلة بالهند بالسنوات الأخيرة، كما أشار باحث هندي يدعى ماركانديا في بحث نشره مع آخرين أنه بين عام 1992 - 2006 م زادت عدد الإصابات نتيجة عض الكلاب فوصلت الى حوالي 40 مليون إصابة، وعليه فقد قدر الباحث خسارة الحكومة الهندية بين عامي 1993-2006م نتيجة تدهور أعداد النسور إلى حوالي 34 بليون دولار وذلك لعلاج المشاكل الصحية والاجتماعية.
كذلك في أسبانيا أشارت بعض الدراسات إلى أن النسور وفرت على مزارعي الماشية أكثر من 50 مليون يورو سنوياً، فبعد صدور أنظمة تجبر المزارعين لعدم ترك جيف الحيوانات في العراء بل يجب التخلص و نقل النافق من الحيوانات إلى مواقع معينة مما يكلف المزارعين مبالغ ، وبعد صراع للمنظمات البيئية التي قامت بدراسة تكلفة هذا العمل وما يمكن أن تقدمه النسور لحل مشكلة التخلص من بقايات الحيوانات الميتة، وافقت السلطات المحلية بتوفير مواقع مسيجة ترمى فيها النافق من الماشية لتوفر مبالغ كبيرة على المزارعين.
خطة العمل العالمية للمحافظة على النسور في العالم القديم
لقد دقت أحداث نفوق النسور بالهند ناقوس الخطر، وخوف المنظمات الدولية من إختفاء هذه المجموعة من الطيور، وعليه فقد حظيت النسور باهتمام ودعم عالمي لحمايتها من خلال الدراسات والأبحاث لمعرفة أسباب تناقصها خاصة في قارات العالم القديم، حتى دخلت داهاليز المعاهدات البيئية الدولية ومنها معاهدة الأنواع المهاجرة (المملكة عضو في المعاهدة) ومذكرة التفاهم للجوارح (المملكة وقعت المذكرة في مارس من هذا العام 2017م)، حيث صدر قرار في إجتماع الأطراف الحادي عشر في نوفمبر 2014م لمعاهدة الأنواع المهاجرة برقم 11.14 عن برنامج عمل للمحافظة على مسارات الهجرة للطيور، تضمن في فقرته رقم 9 تحت عنوان أولويات خطط العمل لأنواع محددة ذات أولوية، حيث وضعت أنواع النسور الخمسة عشر في العالم القديم ضمن الأولوية بحكم هجرتها، وفي إجتماع الدول الأطراف الموقعة على مذكرة التفاهم للجوارح في النرويج عام 2015م، أدرجت هذه الأنواع ضمن ملاحق مذكرة التفاهم، كما كلفت المجموعة الإستشارية لمذكرة التفاهم للجوارح بالمساعدة لتقديم الإرشادات لوضع خطة عمل تشمل الخمسة عشر نوعاً من النسور، لتقديمها لمؤتمر الأطراف الثاني عشر الذي سيعقد بالفلبين في أكتوبر القادم وذلك لإقرارها.
وتهدف خطة العمل إلى:
* إيقاف التسارع في تدهور أعداد النسور بدول الانتشار
* عكس التناقص الحالي بالنسور للزيادة بأعدادها وعودة الحماية لأنواع النسور لمستويات مقبولة
* تقديم الإرشادات للمحافظة على النسور قابلة للتطبيق في جميع دول الإنتشار بالدول التي تغطيها الخطة
وقد تسلمت سكرتارية مذكرة التفاهم للجوارح العمل بالخطة وذلك بوضع جدول زمني لإخراج وثيقة خطة العمل بدأت في يناير 2016م بتحديد أسماء وأدوار الشركاء والحصول على الدعم اللازم لتعيين منسقين للنسور في القارات الثلاث وتم عمل إستبيان وزع على دول الإنتشار، وفي شهري أكتوبر ونوفمبر من عام 2016م عقدت ثلاث ورش عمل للشركاء والخبراء للنسور بواقع ورشة لكل قارة كما عقدت ورشة أخرى لمنطقة الشرق الأوسط في فبراير من هذا العام خاصة بدول الجزيرة العربية عرفت بورشة العمل لنسور الشرق الأوسط بدعم من هيئة البيئة والمحميات الطبيعية بأمارة الشارقة، وفي الوقت المحدد وهو شهر مايو 2017م، سلمت نسخة من خطة العمل بصيغتها النهائية إلى سكرتارية معاهدة الأنواع المهاجرة، لتقديمها لموتمر الأطراف الثاني عشر بالفلبين بشهر أكتوبرالمقبل.
وتضمنت الخطة مراجعة أدبية لكل نوع كما حددت فيها المهددات لكل منطقة، وقد أكدت الدراسة بأن التسميم هو من أهم المهددات التي أثرت على النسور بالقارات الثلاثة، سواء كان من خلال تسمم الحيوانات بالأدوية المؤثرة على النسور كالذي حدث بالهند، أو من التسميم للحيوانات النافقة لقتل الحيوانات المفترسة فتتغذى عليها النسور كالذي يحدث بأوروبا والشرق الأوسط، أو التسميم المتعمد والذي سجل بأفريقيا حيث يقوم الصيادين الغير نظاميين للفيلة بوضع السم على الحيوان المقتول بعد أخذ أنيابه، وذلك لقتل النسور لان تجمعها بأعداد كبيرة للتغذية على الفيل المصاد يؤدي الى اكتشاف حراس المحميات بمواقع الجريمة بوقت أسرع، مما يقدم أدلة للتعرف على المخالفين. ومن المهددات الأخرى التي أشارت لها خطة العمل تصادم النسور بأسلاك الكهرباء، وتأثر مواطن النسور وقلة الغذاء، وهذه المهدادت يختلف مستوى تأثيرها من منطقة لأخرى، وعليه فقد قدمت الخطة في فصلها السابع الأهداف العملية والمؤشرات والنشاطات المطلوبة لكل منطقة.
وقد شاركت المملكة العالم من خلال وجود خبرات علميه في المجموعة الإستشارية لمذكرة التفاهم للجوارح، وأيضاً تواجد خبرائها من الهيئة السعودية للحياة الفطرية وجامعة الطائف، في ورش العمل التي تمت بهذا الخصوص سواء لمناقشة حماية النسور بأوروبا أو ورشة العمل الخاصة بالنسور بالشرق الأوسط، توج في النهاية بتقديم الهيئة بمقترح لمؤتمر الأطراف الثاني عشر لوضع نسر الأذون ضمن الملحق الأول لمعاهدة الأنواع المهاجرة.
وضع النسور هنا بالمملكة ليس بأحسن من دول أخرى فتسميم جيف الحيوانات النافقة لقتل الثعالب والذئاب والثدييات المفترسة الأخرى تمثل أكثر المسببات في تناقص أعداد النسور بشكل عام، ويتضح حجم هذه المشكلة بنفوق أندر الحيوانات بالمملكة وهو النمر العربي، الذي قضى التسميم على خمسة من أفراده بالرغم من الجهود الجبارة للهيئة السعودية للحياة الفطرية للحفاظ عليه من خلال برنامج المتابعة للنمر العربي بواسطة الكاميرات الليلية.
النسور بالمملكة العربية السعودية
سجلت خمسة أنواع من النسور بالمملكة منها أربعة متناسلة هم: نسر الأذون (النسر الوردي)، والنسر الأسمر، النسر المصري (الرخمة المصرية - العليا)، والنسر الملتحي، أما الأخير فيعرف بالنسر الأسود (نسر سيرينيوس) والذي لا يتناسل بالمملكة ولكنه يأتي مهاجر لقضاء فترة الشتاء. وهذه النسور جميعها وضعت ضمن قائمة الأنواع المستهدفة بخطة العمل العالمية لأنواع النسور، فجميعها تحقق أهم الشروط لإدراجها بالمعاهدة وهو تحقيق ما ورد في تعريف الهجرة لمعاهدة الأنواع المهاجرة والذي يحدد الأنواع التي تدرج ضمن المعاهدة على ان تشمل «كل المجموعات أو المجموعات المفصولة جغرافياً من أية نوع أو تحت النوع للحيوانات الفطرية والتي تقوم أعداد منها بالعبور بشكل دوري ومتوقع أكثر من حدود إقليمية بين الدول» لذا يطلق على هذا التعريف بالتعريف السياسي للهجرة.
ومن خلال الدراسات العلمية فإن المملكة أيضاً تصلها نسور مهاجرة بعضها من دول بعيدة وأخرى من دول مجاورة، فنجد أن الرخمة المصرية المتناسلة بأوروبا وآسيا تمر بأرضي المملكة، وهذا ما بينته دراسة متابعة للطيور بواسطة الأقمار الإصطناعية عن مرور هذه النسور بالمملكة، ومن اشهر مناطق وجوده بالمملكة هي جزر فرسان. والرخمة المصرية تعتبر من الأنواع المهددة بالإنقراض على المستوى العالمي والإقليمي.
وفي دراسة أخرى للنسر الأسود في دولة جورجيا بوسط آسيا تبين أن نسراً أسود يحمل أجهزة متابعة يقضي الشتاء في مناطق وسط المملكة سنوياً، حيث يصل في نهاية شهر نوفمبر ويبقى حتى شهر فبراير قبل ان يعود إلى أماكن تناسله في جورجيا. والنسر الأسود لم يوضع في التصنيف الأخير للإتحاد العالمي لصون الطبيعة ضمن الأنواع المهددة بالإنقراض، بالرغم من إختفائه من مناطق بأوروبا وآسيا، لكن تناقص أعداد بشكل عام أهله لقائمة الأنواع القريبة من مرحلة المهددة.
أما النسر الملتحي فهو من أندر النسور بالمملكة، وقد تناقصت أعداده بالمملكة والعالم بشكل عام، وهو يفضل المناطق الجبلية ويتغذى بشكل كبير على عظام الحيوانات النافقة، فبعد أن تأكل النسور الأخرى والثدييات المفترسة الأنسجة حول العظام يقوم بحملها عالياً ليتركها بعد ذلك تسقط على الصخور فتتكسر بعدها يقوم بالتغذيه عليها. وقد قامت عدد من المنظمات العالمية بدعم برامج لإعادته لمواطنه بجبال الألب بأوروبا، وفي محميات بأفريقيا.
وبالنسبة للنسر الأسمر فهو من النسور المتناسلة بالمناطق الجبلية على جبال السروات وجبال أجا وسلمى وجبال طويق، وهذا النوع الوحيد الذي لم يوضع ضمن قائمتي الأنواع المهددة بالإنقراض أو القريبة من مستوى التهديد على المستوى العالمي، لكن على المستوى الجزيرة العربية فقد وضع ضمن الأنواع المهددة بالإنقراض بسبب تناقص أعداده حيث أشارت دراسة للنسور بمنطقة تنومة بالجنوب الغربي للمملكة عن تناقص أحد مستعمرات النسور من 45 عشاً عام 1999م إلى سبعة أعشاش في 2015م (نسبة التناقص 84.44%).
أما نسر الأذون: فهو من النسور المهددة بالإنقراض على المستوى العالمي والإقليمي، ويوجد في أفريقيا والجزيرة العربية، وتعتبر المجموعات المعششة في المملكة العربية السعودية هي من أهم المجموعات بالجزيرة العربية، وهذا النوع من النسور يعتبر الوحيد الذي يبني أعشاشة على الأشجار، وسجل تناسله في أربع محميات بالمملكة أهمها محمية محازة الصيد.
وفي ختام حديثي عن النسور اود الإشارة بأن النسور يمكن أن تلعب دورا هاما في التنمية المستدامة والتي ترتكز عليها رؤية المملكة 2030 م، فكما أنها مهمة لسلامة النظام البيئي، فهي أيضاً يمكن أن تلعب دوراً في الإقتصاد الوطني من خلال الخدمات المجانية التي تقدمها بالتخلص من الحيوانات النافقة نتيجة أمراض وبائية، وأيضاً من خلال السياحة البيئية، فالنسور وتحليقها في السماء وكبر أحجامها جعل الكثيرين من السياح المهتمين بمراقبة الطيور يبحثون عنها، وحيث أن من ضمن الرؤية المستقبلية للمحميات هو الإستفادة منها في السياحة البيئية، لذا فإن حماية النسور يمكن أن يلعب دوراً في رؤية 2030 م، كذلك لتعطي نموذجاً حياً لتعليم أبنائنا على النظام البيئي والهرم الغذائي، وتحافظ على بيئة مستدامة للأجيال القادمة.
** **
- عميد عمادة البحث العلمي بجامعة الطائف