ماجدة السويِّح
من يشاهد الفيلم الوثائقي الأمريكي (Killing Us Softly: Advertising›s Image of Women) عن صناعة الإعلان الأمريكي، وصورة المرأة كما تقدمها الإعلانات سيعيد النظر ألف مرة في كل صورة وإيماءة وكلمة تستخدم لتسويق المنتج، الذي أدمن ابتذال وتسطيح المرأة عبر التاريخ لكسب المزيد من المعلنين والأرباح.
يقدم العمل بأجزائه الأربعة من عام 1979 دراسة نقدية لمجموعة من الناشطات النسويات عن الصورة النمطية، والقوالب المهينة التي تتبناها شركات الإعلان باستخدام جسد المرأة، لتسويق جميع المنتجات والخدمات، وآثار ذلك على تقدير المرأة لذاتها وصحتها العقلية والجسدية، وآثار تلك الصور على المجتمع الذي يتبنى تلك الصور الخيالية للمرأة وجمالها.
العمل في جزئه الرابع تقدمه جان كليبورن الناشطة في المجال النسوي لتكشف لنا بعمق عن الصورة النمطية للمرأة في الإعلان، والتنميط المقيت الذي لم يتحسن عبر عدة عقود، بل ازداد سواءً رغم حملات التوعية والوعي المتزايد باستغلال شركات الإعلان للمرأة، فالمرأة من خلال هذا العمل التحليلي صامتة، ضعيفة، طفولية، فاتنة، نحيلة، وضئيلة الجسد مقارنة بالرجل أو الولد المعلن الذي تظهر عليه علامات القوة والاعتزاز بالنفس رغم صغر سنه.
تتهم كليبورن المعلنين بأنهم هم الصناع الحقيقيون للأفلام الإباحية، وتورد مثالاً لذلك فمن خلال التركيز على الجانب الطفولي في جمال المرأة، يتم تصدير الصور الطفولية لإشباع غرائز المنحرفين من مرضى الـ»بيدوفيليا»، فما تفعله شركات الإعلانات ما هو إلا تصدير للقيم، والصور المشوهة والمدمرة للأنوثة والكرامة.
يغوص الفيلم في أعماق تلك الصناعة الرخيصة ويكشف في ثنايا العمل عن أسرار وتقنيات لخلق الوجه الإعلاني، حيث يفصح إحدى العاملين في تلك الصناعة عن التلاعب، وتسويق الوهم لصورة المرأة الجميلة الخالية من العيوب عبر برامج الفوتوشوب وتحسين الصور، للوصول للنتيجة الخيالية عبر دمج أربع شخصيات في وجه امرأة واحدة!! للحصول على الرمز الجمالي المتخيل، فيتم استعارة الخدود والعيون والأنف من عدة نساء، لخلق صورة مثالية للمرأة وجمالها لا تمت للواقع بصلة.
فالمخرج الفني والمصور لا يقل فنًا عن النحات في دقة التشكيل الفني للوجه والجسد، فالأجساد النحيلة التي تتصدر المجلات والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، ما هي إلا رسم متخيل لفنان حالم، لكن في حقيقتها هي اتجار بالبشر بطريقة قانونية وبالتراضي بين الطرفين.
تأثيرات تلك الصور التي نستهلكها يوميًا يشمل المرأة والرجل على حد سواء، حيث تدمر تلك الصور ثقة المرأة بنفسها عبر المقارنة الظالمة والجائرة بنجمات الإعلانات، وتتعداها للبحث عن طرق للتجميل الجراحي، أو البحث عن طرق سريعة لفقدان الوزن، قد تتسبب بأضرار صحية جسيمة، فقد تلجأ بعض الفتيات لتجويع نفسها للحصول على القوام المتخيل من صناع الإعلانات، والدخول في دوامة المرض النفسي بحثًا عن الرضا الذاتي والثقة بالنفس.
في نهاية الفيلم تظهر تباشير ذلك العمل الجبار من خلال ظهور بعض النتائج المرجوة، حيث زاد الوعي والاهتمام من قبل الفتيات والأسر بخطورة الصور النمطية المصدرة للمرأة عبر الإعلان، والدعوة المستمرة من قبل الهيئات والمؤسسات والجمعيات للكشف عن نتائج ذلك العمل النقدي، والمأمول في التصدي لاستغلال المرأة وجسدها، كما قامت إحدى المجلات الأوروبية بتعديل سياسة استخدام المرأة في الإعلان، والبحث عن وجوه وأجساد لنساء حقيقيات يعشن بيننا، لا في خيال المعلن، ونحات الصور الحالم بمثالية وجمال يندر وجوده بين البشر.