خالد بن حمد المالك
منذ بدأ الخلاف بين قطر وكل من المملكة والإمارات والبحرين ومصر، حرصت على التواجد اليومي كاتباً ضمن آخرين عن الأزمة القطرية، كان المقال الأول بعنوان: «لا يا سمو الأمير» عن تصريح الشيخ تميم لوكالة الأنباء القطرية الذي نفاه وادعى بأن الوكالة مخترقة، وأنها نشرت هذا التصريح على لسانه وهو لم يقله، وكان هذا التصريح قد حمل الكثير من الإساءات والاتهامات، وصيغ بلغة استفزازية، ووقت لنشره بعد النجاح الكبير الذي حققته القمة العالمية التي شارك فيها بحضور الرئيس الأمريكي ترامب عدد من الدول العربية والإسلامية وبينها قطر، وتم عقدها بالرياض في أول ظهور للرئيس الأمريكي بعد انتخابه خارج الولايات المتحدة الأمريكية، وكان هذا التصريح بمثابة الشرارة التي أعقبتها قطع العلاقات مع قطر وإقفال الحدود، ووضع شروط بلغ عددها ثلاثة عشر مطلباً على نظام قطر أن يستجيب لها، وإلا فلن تعيد الدول الأربع علاقاتها مع قطر، ولن تفتح الحدود البرية والجوية والبحرية لتسهيل حركة التنقل منها وإليها.
* *
احتفظت كلمتي اليومية عن قطر بمكان لها في الصفحة الأخيرة من صحيفة الجزيرة، وكان متوسط عدد كلمات كل مقال في حدود الألف ومائتي كلمة، وحاولت في كل مقال أن أتجنب أي عبارة تسيء إلى أي شيخ أو مسؤول في قطر، وكانت انتقاداتي في مجملها توجه عادة إلى النظام في قطر، أو نظام تميم، وتركز على التطورات بالمتابعة والتحليل والقراءة الموضوعية بقدر المستطاع، وتدور حول الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل القطري في شؤون الدول الشقيقة، وكانت هذه عناوين لتفاصيل كثيرة حاولت استيعابها في المائة مقال التي نشرت، وأخَذَتْ المساحة المناسبة لها بشكل يومي، مما جعل لهذه السلسلة من المقالات موضع جدل بين مؤيد ومعارض لها، سواء بالاتصال الشخصي معي، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وقنوات التلفزة والصحف الورقية والإلكترونية.
* *
وبعد هذا العدد من المقالات اليومية التي لم يفصلها عن بعضها إلا ثلاثة أو أربعة أيام، توقفت فيها عن الحديث عن هذه الأزمة القطرية، بسبب مبايعة الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد خلفاً لأخيه الأمير محمد بن نايف، فخصصت هذه الأيام للكتابة عن مبايعة الأمير محمد ولياً للعهد، ثم عدت ثانية ودون توقف للحديث عن الأزمة القطرية، وقد رأيت بنشر هذا المقال ما بعد المائة مقال التوقف عن النشر اليومي عن هذا الخلاف مكتفياً بما سبق نشره، وإن كان يبدو أن قطر تميل إلى التصعيد، وعدم القبول بأي خيارات أو وساطات تنهي أزمتها مع أشقائها، على أن تكون مشاركتي بالتعليق والتحليل وإبداء وجهة النظر في هذه القضية كلما كان هناك مستجد فيها، يقتضي مني كما من غيري أن ندلي بدلونا، بما يساعد على كشف الحقائق، بأمل الوصول إلى حلول لكل المعوقات التي إذا ما بقيت فسوف تدفع شعوبنا ثمناً غالياً لها.
* *
المشكلة أن نظام قطر يمارس الإرهاب ولا يعترف بذلك، ويأخذ في سياسته بمبدأ التدخل في شؤون الدول الأخرى، ثم لا يقر بذلك، ويحرّض على تأجيج الثورات والمظاهرات والانقلابات ويدعمها بالمال والسلاح والإعلام، وحين يواجه بالحقائق ينفي صحة ذلك، حتى مع وجود الإثباتات والبراهين والوثائق، وهو يؤوي الإرهابيين وأعداء دولنا ويتبنى مواقفهم ويدافع عنهم ولا يسمح لأحد بأن يتهمهم بشيء، مع أن أعمالهم ونشاطاتهم المشبوهة لا تحتاج إلى دليل كي يكون موقف النظام القطري هو الإنكار والنفي وعدم التسليم بصحة المعلومات الموثقة لدى الطرف الآخر، ما جعل من هذه الدول في وضع المضطر للتعامل مع قطر على نحو ما صدر مؤخراً من قطع للعلاقات وقفل للحدود وإيقاف أي تعاون مع قطر.
* *
والمشكلة مع قطر ليست حديثة عهد، أو شيئاً طارئاً، وليست مشكلة صغيرة يمكن احتواؤها وقبول الوساطات لحلها، فقد بدأت منذ عهد الشيخ حمد بن خليفة وتحديداً منذ عشرين عاماً، متآمراً على الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعلى المملكة، وامتد هذا الفجور في السياسة القطرية إلى البحرين والإمارات ومصر، ولم تسلم منه تونس وليبيا واليمن وغيرها، فقد شهدت الميادين والشوارع في هذه الدول من المظاهرات الدامية، ما قتل بسببها الكثير من المواطنين الأبرياء، وكان التخريب في المنشآت العامة والأملاك الخاصة ما لا يعوض إلا بمال كثير، وها هي الحروب الأهلية مشتعلة في أكثر من دولة عربية، وكل هذا بفضل الدعم المالي والإعلامي وإمداد الناس بالسلاح من قطر كي يتقاتلوا لإرضاء شهوة نظام الحكم في الدوحة.
* *
كنا نظن أن هذا الجحيم الذي خيم على دولنا سوف يتوقف وتكون نهايته مع تنازل الشيخ حمد بن خليفة للشيخ تميم بن حمد عن الإمارة، غير أن الابن سار على خطى الوالد، وحافظ على ذات السياسة، ولم يفعل شيئاً يغير من الموقف القطري المعادي لاستقرار دول المنطقة، برغم مكاشفته بالحقائق والمعلومات والوثائق المصورة عن أن قطر هي من يقود الإرهاب والتطرف والتحريض والتدخل في شؤون الدول، وأن تنظيم الحمدين بصوتي الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم يتحدثان في مقاطع مصورة كثيرة عن تمويلهما للإرهاب ودعمهما للانقلابات، واستعدادهما لدعم أي مشروع أو مخطط يفضي إلى تغيير في أنظمة الحكم في عدد من الدول العربية والخليجية.
* *
ومن الواضح أن قطر بتعاونها وتنسيقها مع تركيا وتنظيم الإخوان المسلمين، إنما تبني سياساتها على أساس إقامة دولة الخلافة، وأنها بتعاونها وتنسيقها مع إيران، إنما تتجه إلى خلق جو من الفوضى والارتباك الأمني في دولنا وصولاً إلى إقامة الدولة الفارسية، أي أن النظام القطري ليس ثابتاً على سياسة واحدة، وإنما هو نظام مخرّب، ولا تهمه النتائج، هل ستكون لصالح تركيا أو لصالح إيران، وهذا سلوك مقلق، وحرب على المكشوف، وخيانة لا قدرة لدول مجلس التعاون - أو بعضها على الأقل - لتحملها، أو الاستمرار في مداراة قطر والتعامل معها بمرونة حتى لا يتم إغضابها والدفع بها لتتصرف بما هو أسوأ.
* *
أنا في هذا لا أهرب من مواصلة الكتابة في مواجهة النظام القطري بما أظن أنه يسيء إلى استقرار دول المنطقة، ويعرِّض أمنها للخطر، ولكني رأيت أن هناك قضايا أخرى لها من الأهمية ما لأزمة قطر مع أشقائها، وتحتاج هي الأخرى إلى الكتابة عنها، وليس من الممكن لكاتب أن يكتب أكثر من موضوع في عدد واحد من الصحيفة وفي يوم واحد، وبزعمي فإن المائة مقال التي نشرت لي غطت كل الجوانب المهمة في هذه القضية وفق ما أعلن عنه من معلومات حتى الآن، ولم يبق ما يعلق عليه إلا المستجدات، وهي مرشحة للمزيد سواء من قطر أو من الدول الأخرى، طالما ظلت الدوحة تمارس سياسة الدفع بالمنطقة إلى عدم الاستقرار، متعاونة مع إيران ودول ومنظمات وكيانات وأفراد آخرين.
* *
ما أتمناه صادقاً، أن تتوقف الحملات الإعلامية القطرية، والحملات الإعلامية المضادة لها، وأن يعيد النظام القطري النظر في سياساته التخريبية، وأن يراجع مواقفه التي هي مصدر هذا الخلاف مع قطر، وأن يتوقف عن دعم وتمويل الإرهاب، وأن يكف عن ممارسة التحريض، وتشجيع التطرف، والتدخل في شؤون الدول الأخرى، بما يشجع الدول الشقيقة إلى قبول قطر ضمن التعاون والتنسيق القائم بينها، مع أن استجابة الدوحة لذلك تبدو أنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، وإلى قرارات شجاعة، ونظام قادر على تحقيق إعادة البلاد من معسكر طهران إلى البيت الخليجي الدافئ.
* *
ونبقى مع هذا الأمل، ويبقى هذا هو هاجسنا الذي لن يتغير أو يتبدل، فنحن نتألم من هروب دولة قطر وارتمائها في أحضان إيران، ونشعر بالخوف عليها كلما رأيناها تتدثر بثوب تنظيم الإخوان المسلمين، ويزاد شعورنا بالخوف منها وعليها حين نرى هذه الأعداد الكبيرة من أعدئنا وأعداء قطر يقيمون في قطر ويتآمرون علينا معاً، ولن يهدأ لنا بال، ولن تزول هواجسنا، وقناة الجزيرة في حضن قطر تقدم سمومها، وتبث كراهيتها، وتتعامل معنا بأحقادها، محرضة ومتآمرة ضد كل ما هو جميل لدينا وعندنا، فالوضع في قطر أشبه ما يكون بقنبلة موقوتة وقابلة للانفجار بحركة أصبع من هؤلاء، لكن الأمل بالله ثم بمواطني قطر باقٍ ومستمر، والثقة كبيرة بأن يزول هذا الخطر عنهم وعنا.