خالد الربيعان
لا فرح حقيقياً إلا من رحم معاناة! نعم الكل تكلم عن الضغط النفسي على اللاعبين - المدربين - الطاقم التدريبي والطبي وحتى أعضاء اتحاد القدم، وهو ضغط حقيقي وتعب أعصاب! ولكن؟ ماذا عنا نحن؟! نحن من كنا في المدرجات وأمام الشاشات!
ماذا عن كبار السن والسيدات والأطفال والفتيات؟.. نحن عانينا أيضًا.. وأي معاناة! عسكرنا مع المنتخب قبل التصفيات، وخضنا المباريات في كل لمحة وكل تفصيلة.. كل تمريرة على مدى عام، كل عرضية، كل تسديدة، كل ركنية، كل تصدي لحارسنا خفق معه قلوب كل هؤلاء.
إذا اشتدت الأمور انفرجت، والحلقة الأخيرة أو السيزون فينالي من مسلسل المونديال الأبيض بلون الجليد الروسي البارد كانت أشد الحلقات وأكثرها إثارة! مدرجات ممتلئة بعدد فاق الـ 60 ألفًا، أجواء تذهب بالعقل وتتحداك أن تتماسك وأن يتحملك جهازك العصبي!
كمبيوتر ياباني معقد بلغة لا نفهمها! يحتاج لفك شفرته الصعبة للغاية، تمر الدقائق الواحدة تلو الأخرى علينا سريعة جدًا، وعلى المنافس الضامن التأهل بطيئة! لا شكل فني مطمئن، لا هجمات واعدة مؤثرة، زادت من المعاناة شيء لم نحسب حسابه قط!! الساموراي الياباني العتيد لا يبالي بالمرة! ولا يعرف شيء اسمه أرضهم وأرضنا، القتال فقط والهجوم الضاري! وكأنه هو الذي يحتاج للفوز لا نحن!
كتبت منذ سنة كاملة مقالين كاملين عن ظاهرة فهد المولد! وعن كيف تتغير الحالة النفسية لجميع من في الملعب! شيء عجيب فعلاً تأثير هذا الشخص، وتكلمت عن (الجرينتا) المفقودة؟.. الجرينتا التي تضم الروح القتالية، والمهارة الفنية، ورفض الخسارة، والقتال لآخر نفس، وتحفيز خلاياك وخلايا من حولك على عصر واستنفاد الطاقة الكامنة! الجرينتا التي كانت تظهر منها لمحات راجعوها بأنفسكم في كل مباراة من مباريات هذا الصراع الطويل!
62 دقيقة كاملة ثم ظهرت هذه الجرينتا، 62 دقيقة من المعاناة مع هواجس كانت تكبر كالكابوس في أوله تنذر بذهاب الحلم، والمبيت على حزن، ثم كالعادة، وعلى طريقة أبطال هوليوود يظهر فهد المولد لتنشق عنه الأرض في هذه الدقيقة.. الدقيقة 62.. لا يتذكر الكثيرون سوى صوت التونسي رؤوف الخليف الذي نسينا أنه تونسي وتخيلنا أنه سينزل بنفسه للملعب ليلحق الحلم قبل ضياعه، «هذى كورة.. والتصويب.. جووووول»..
يتوقف الزمن.. وعاصفة من الفرح... كرة السعادة المضغوطة داخل كل منا انفجرت.. وتلونت الدنيا بألوان قوس قزح المبهجة.. عدم التصديق يظهر لك كالضيف الثقيل في جزء من الثانية لكنك تنظر للشاشة مرة.. ثم أخرى لتتأكد.. ترى 11 لاعبًا يجرون كالمجانين هنا وهناك، صوت آتٍ من المدرج الجدّاوي كالعاصفة...عاصفة بمعنى الكلمة لا يقف أمامها لا كمبيوتر ولا ساموراي!!..عاصفة من تسديدة لم ترسلها قدم لاعب.. بل خرجت من قلب 20 مليون مواطن سعودي.. قاموا بتسديدها معه!
مبروك للجميع، «وجه السعد»، واللاعبين، الإدارة الفنية، اتحاد القدم، الرجال من حضروا في المدرج، ولنا.. ولكل من سدد معنا هذه التسديدة من الأشقاء العرب..