د.محمد بن عبدالرحمن البشر
انتشر في الآونة الأخيرة حديث حول البتكوين، وقد شرحت كينونتها بما فيه الكفاية من قبل مختصين ومجتهدين، ومما ذكر في ذلك أن سعرها قد تضاعف بشكل يفوق الوصف منذ إنشائها حتى وقتنا الحاضر، كما ذكر أن أغلب المقبلين على شرائها والحاملين هم الصينيون، وأن تلك النسبة قد تصل إلى 95 %، والحقيقة أنني لست متأكداً من صحة هذه النسبة لكن من المؤكد أن الصينيين أكثر المستثمرين إقبالا عليها، وما يمكن إضافته إلى هذا الموضوع هو السبب الكامن في إقبال الكثير دون سواهم، وقد يعول البعض ذلك إلى نسبة عدد السكان مقارنة بسكان العالم، إضافة إلى النمو الاقتصادي المتسارع حتى أصبحت ثاني اقوى اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
العاملان المذكوران آنفاً ليسا السبب في ذلك، وإنما الأمر يعود إلى حافز آخر، فكلنا يعلم أن هذه العملة الافتراضية غير الملموسة، لا تخضع للنظام المصرفي العالمي ولا تتقيد بضوابطه وأنظمته، لهذا فإن هذه العملة يمكنها أن تحمل قيمة معينة خارج النظام المصرفي العالمي دون مراقبة في الآونة الأخيرة.
اتخذ الرئيس الصيني الحالي، وبمؤازرة فاعلة من رئيس الوزراء إجراءات حازمة لمحاربة الفساد، وشدد في ذلك، ثم تطبيقه على أرض الواقع، فلجأ البعض إلى محاولة حفظ اموالهم في هذه العملة الافتراضية لتخزن قيمة ما يملكونه فارتفعت بارتفاع الطلب المتنامي والمتسارع عليها.
في هذا الأسبوع اتجهت الحكومة الصينية إلى سبل أخرى لتقتنص من خلالها مكامن تلك الأموال المخزنة في هذه العملة المارقة، فأحجم البعض عن الاستثمار في هذا الملاذ الآمن لهم، كما يعتقدون ولهذا فقد اتجهت إلى الانخفاض بشكل حاد، وربما تنحدر بصورة متسارعة، إلا إذا وجد المستثمرون في تلك العملة وسائل أخرى للهروب من هذا الحصار المتنامي عليهم، ويبدو أن المناورة بين الطرفين سوف تستمر لمدة معينة حتى يمكن سد جميع المنافذ، والتقليل ما أمكن من الاتجاه إلى هذه العملة الوهمية الافتراضية لتكون مرتعاً لاستثمار غير سوي .
الحقيقة أن الصينيين بما حباهم الله من قدرات إنتاجية، وصبر ومصابرة على العمل الدؤوب لابد لهم أن يصلوا آجلاً أو عاجلاً إلى المرتبة الأولى في الاقتصاد العالمي، فمعدل النمو لديهم أكثر من ستة في المئة في الوقت الذي لا يتجاوز ذلك النمو في الدول المتقدمة ثلاثة في المئة، ولهذا فإن هذه الاجراءات الصارمة التي اتخذتها الصين تصب في هذا الاتجاه الذي لا تحيد عنه، وتتحاشى الصراعات التي قد تجرها إلى الانصراف عن بلوغ غايتها.
نقطة أخرى اتخذتها الصين في سبيل بلوغ مرادها، وهو محاولة التحرر من هيمنة الدولار، وهذا أمر صعب المنال لكن من الممكن التقليل منه. فكلنا يعلم أن معظم التجارة العالمية تتم بالعملة الدولارية، ولهذا فلا بد لكل سلعة تباع في الغالب أن تمر عبر الولايات المتحدة الأمريكية لتأخذ نصيبها منه، وتراقب مساره حتى لا يستخدم في غير محله، وهذا إجراء رائع لمراقبة تمويل الإرهاب التي تلجأ إليه بعض الدول والشخصيات، لكن الصين ترى أن استخدام تلك العملة للتبادل التجاري يجعلها أسيرة توظيف سياسي للضغط على هذه الدولة او تلك أو إحدى مؤسساتها ومنها الصين، لهذا فقد لجأت إلى عقد اتفاقات ليكون التبادل بالإيوان أو الذهب إمعاناً في الأمان، حتى إنها طرحت على بعض الدول شراء النفط بالايوان أو الذهب. وهذا تغير كبير لما يشكله النفط من مقدار كبير في التجارة الدولية.