د. عبدالحق عزوزي
لعمري إذا كانت لجائزة نوبل مصداقية دولية وروح إنسانية كما هو مسطر في مواثيقها، فإنني أضم صوتي إلى أولئك الذين ينادون اليوم بسحب الجائزة بشكل فوري من رئيسة الوزراء أونغ سان سو تشي بسبب صمتها تجاه أعمال العنف والتقتيل الممارسة ضد أقلية الروهينغا المسلمة في بورما. فما تقوم به سلطات ميانمار من جرائم بشعة ضد أقلية الروهينغا المسلمة، بمعرفة رئيسة وزرائها وتأييدها، عمل يتناقض مع أهداف جائزة نوبل، ومع القانون الدولي وحقوق الإنسان.
فكيف يعقل لسيدة مسؤولة معروفة بنضالها الطويل ضد الديكتاتورية العسكرية في بلادها، وكانت قد تعرضت خلاله للسجن والإقامة الجبرية، وهي الآن على كرسي المسؤولية، أن تلتزم بالصمت أو بالكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وكيف يمكن أن يوصف عملها هذا وهل يتصور عاقل مثلا أن يأتي أعضاء جائزة نوبل يوما ويمنحوا الجائزة لرجل مثل بشار الأسد؟.
إن رئيسة وزراء ميانمار فقدت الأهلية للجائزة، لأن ما تقوم به سلطات بلدها من جرائم بشعة ضد أقلية الروهينغا المسلمة بمعرفتها وتأييدها عمل يتناقض مع قواعد العقل المتزن، عقل العيش المشترك والأسرة الإنسانية الواحدة، وهو يعطيني قناعة أن ذلك لم يتواجد يوماً في مخيلة هاته السيدة، لأنها لو كانت تملك مثقال ذرة من الإنسانية لمنعت ذلك، وإذا كانت امرأة بتلك الخصال التي وصفتها لنا جائزة نوبل يوم أعطتها المكافأة، لنددت واستقالت من منصبها إذا رفض العسكر الامتثال، وهذا دأب العقول الأحرار التي مرت في السجون وآمنت بحقوق الإنسان والحريات العامة كالحق في العيش والحق في المسكن والحق في الجنسية والحق في العمل، أما أن تأتي دولة بأكملها بعسكرها وسلاحها ومؤسساتها وتقوم بعملية إبادة جماعية في حق أناس، ما ذنبهم إلا أنهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فاللهم إن هذا لمنكر تستحي أوراق التاريخ من كتابته في سجلاته.
وحسب آخر إحصائيات للأمم المتحدة أعلنتها مؤخراً وإلى حدود تاريخ كتابة هاته الأسطر، فإن نحو 123 ألف شخص من الروهينغا فروا إلى بنغلادش، في حين ينتظر نحو آلاف آخرين العبور بعد اشتداد المعارك بين مسلحين مسلمين والقوات العسكرية البورمية في ولاية راخين غرب البلاد التي تشهد صراعا داميا. وصور المهاجرين المسلمين وصور الدمار الذي لحق ببيوتاتهم وأمتعتهم وبأرواحهم هي صور ترقى إلى درجة جرائم ضد الإنسانية والتي يعاقب عليها القانون الدولي المعاصر والتي يجب على الأمم المتحدة البداية في تطبيقها وإنشاء محكمة خاصة لمعاقبة المجرمين كما فعلت بمسؤولي الجرائم البشعة في الجمهورية الفدرالية اليوغوسلافية وفي الكثير من الدول الإفريقية التي عرفت جرائم حرب وجرائم متنوعة ضد الإنسانية.
وهناك قرابة مليون شخص من الروهينغا المسلمين في بورما حاليا، حسب منظمة اللاجئين الدولية، وسط تعداد سكان إجمالي يقدر بحوالي 49 مليون نسمة أغلبهم يدينون بالبوذية؛ ومعظم الروهينغا في بورما يعيشون في ولاية راخين غرب البلاد.
وتحولت ولاية راخين الفقيرة التي تقع عند الحدود مع بنغلادش إلى بؤرة للاضطرابات الطائفية بين مسلمين وبوذيين على مدى سنوات، مع اضطرار أقلية الروهينغا للعيش في ظل قيود تطال حرية التحرك والجنسية أشبه بنظام الفصل العنصري.
وأظهرت بيانات رسمية أن قرابة 400 شخص لقوا حتفهم في معارك هزت شمال غرب بورما على مدى أسبوع، في إحدى أسوأ موجات العنف التي تطال الأقلية المسلمة منذ عقود. وتشكل أعمال العنف الأخيرة التي انطلقت في تشرين الأول/أكتوبر بعد أن هاجمت مجموعة صغيرة من الروهينغا عددا من المراكز الحدودية أسوأ الموجات التي شهدتها الولاية منذ سنوات.
وللذكر فإنه بعد استقلال البلاد عن بريطانيا عام 1948 رفضت الحكومة البورمية الاعتراف بالروهينغا كجماعة عرقية رسمية؛ وفي مطلع الستينيات تشكلت حركة عسكرية من أقلية الروهينغا وطالبت بالحكم الذاتي والاعتراف؛ كما كانت قد قضت الحكومة العسكرية التي تشكلت بعد انقلاب عام 1962 في بورما بشكل كبير على تلك الحركة؛ والأمر من هذا كله أنه امتنعت الحكومة البورمية عن منح الجنسية للروهينغا بعد إصدار قانون للجنسية عام 1982 واعتبرتهم مهاجرين غير شرعيين، بمعنى أن إخوتنا هناك دائما ما يعيشون مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لأنه ليست لهم أية جنسية ولا أية حقوق، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.