د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
العمل اللائق يمهد الطريق لتحقيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي، ويعزز وضع الأفراد والأسر والمجتمعات، وإذا شعر عدد كبير من الناس بالخوف من أن يتم التخلي عنهم، وإذا لم يجد أي مجتمع بأنه قادر على إحداث تغيير إيجابي، عندئذ ستجد القوى التخريبية فرصة مواتية لتقويض النمو وزعزعة الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وهو الملاحظ حاليًا في أوروبا بشكل خاص في التحول نحو التفكير الشعبوي الذي أصبح أحد التحديات الرئيسة في عصرنا.
نجد أن الرئيس ترامب وعد بإعادة الوظائف إلى الولايات المتحدة من خلال إعادة كتابة اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) وألغى اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ التي وقعها أوباما، بالرغم من أن البطالة في الولايات المتحدة عند 4.4 في المائة، بينما في السعودية عند 12.7 في المائة في الربع الأول من عام 2017، وتربط أمريكا توفير الوظائف بتزايد احتمالات تأجيل الفيدرالي رفع الفائدة، ليس هذا فحسب، بل تهتم الولايات المتحدة برفع متوسط الأجر الذي ارتفع عام 2017 بنسبة 2.5 في المائة.
بلغت معدلات البطالة عند أدنى مستوى لها في الولايات المتحدة خلال 16 عامًا، وعندما يتجاوز الطلب العرض ينبغي للأجور أن ترتفع غير أن الأجور قاومت هذه الضغوط وبعناد واضح كما أتى في شهادة رئيسة الاحتياطي الفيدرالي يلين أمام الكونغرس في يوليو 2017 حيث قالت: إن العلاقة بين سوق العمل الضيق وضغوط الأجور صارت أكثر ضعفًا مما اعتدنا عليه طوال السنوات الماضية، ويبلغ الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة للساعة نحو 9 دولارات في ولاية نبراسكا على سبيل المثال، لكن يبلغ متوسط الأجور للساعة نحو 17 دولارًا وهو الأجر الشائع.
بل نجد أن الصين تفرض عقوبات على الاستثمارات في الخارج بعد فترة طويلة شجعت شركاتها على عمليات الشراء التي تقوم شركاتها في الخارج، لكن بكين غيرت خطابها أواخر عام 2016 حفاظًا على توفير الوظائف محليًا خصوصًا أن شركاتها تمر بمرحلة إعادة هيكلة جذرية، وألمانيا تسعى لحماية صناعتها من أيدي الأجانب، مع كثرة الاستحواذات الأجنبية أصبح أكثر من ثلثي القيمة السوقية لمؤشر (داكس) الألماني بيد المالكين الجدد، وهناك قلق أوروبي من ظاهرة الإغراق العمالي داخل الاتحاد الأوروبي التي تعني إرسال أعداد كبيرة من العمال للعمل في الخارج بأجور منخفضة خصوصًا من دول شرق أوروبا الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإصلاح معايير سوق العمل وإلزام هذه الدول العمل بها ويجب ألا تكون الأجور أقل مستوى من الأجور التي يحصل عليها العمال المحليون.
أوضحت الهيئة العامة للإحصاء حول سوق العمل السعودي في الربع الأول من 2017 معدلات البطالة لإجمالي سكان المملكة من المواطنين ونسبة البطالة بين الذكور والإناث فقد بلغ معدل البطالة لإجمالي المواطنين 15 سنة فأكثر نسبة 12.7 في المائة بواقع 7.2 في المائة للذكور و33 في المائة للإناث.
وأن 11.6 في المائة سبق لهم العمل، وأن 31.6 في المائة من العاطلين الذين سبق لهم العمل تركوا عملهم بسبب التسريح من صاحب العمل استنادًا للمادة الـ77 من قانون العمل، علاوة على أن برنامج نطاقات أسهم في الفترة الماضية في السعودة الوهمية لأن نطاقات أسهم في توظيف السعودي مقابل الاستقدام، مع دفع نصف الراتب مما رفعت نسب السعودة الوهمية، بالرغم من أن هدف لا تدعم سوى 12 ألف منشأة أي 3 في المائة من المنشآت، فيما لم تستفد أكثر من 600 ألف منشأة نشطة، هذا إضافة إلى أن هناك 7 في المائة من الوافدين عاطلون عن العمل في نهاية الربع الأول من عام 2017 زادوا 36 في المائة خلال 3 أشهر الأخيرة بنحو 53.1 ألف متعطل.
هذا إلى جانب أن فجوة الأجور بين الذكور والإناث متضاعفة بمقدار ثلاثة أضعاف بنسبة 332 في المائة عمّا يحصل عليه الرجل مقابل المرأة كشفتها مؤسسة الملك خالد الخيرية، وتحاول وزارة العمل طرح برنامج في الثلث الثالث من عام 2017 لدعم حضانة ومواصلات المرأة العاملة تحفيزًا للشركات والمؤسسات على توظيف المرأة السعودية ورفع نسبة مشاركتها في سوق العمل من 22 في المائة إلى 30 في المائة وفقًا لمرتكزات رؤية المملكة 2030.
الفجوة في الأجور ليست بين المرأة والرجل بل أيضًا بين المواطن والوافد فنسبة المواطنين تشكل 16 في المائة من إجمالي اليد العاملة لكنهم يتقاضون 39 في المائة من إجمالي الأجور، و90 في المائة من إجمالي الأجور تذهب للذكور البالغة 276.5 مليار ريال و10 في المائة للإناث البالغة 29.4 مليار ريال، حيث تدفع شركات القطاع الخاص أجور لموظفيها سنوية بنحو 306 مليارات ريال 61 في المائة منها للوافدين، أي أن الرواتب الشهرية 9.8 مليار ريال للسعوديين ونحو 15.7 مليار ريال للوافدين.
ولو نظرنا إلى إنتاجية العامل في القطاع الخاص خلال الربع الرابع من عام 2016 هناك تفاوت كبير جدًا نجد أعلاها في قطاع البترول والمعادن بنحو 10.9 مليون ريال لكل عامل، ثم قطاع الاتصالات بنحو 352 ألف ريال للعامل، ثم الصناعة التحولية بنحو 157 ألف ريال، فقطاع الكهرباء والمال والأعمال والنقل والتخزين وتجارة الجملة والزراعة التي تراوح بين (134 - 77 ألف ريال)، ثم يأتي قطاع التشييد والبناء والفنادق والمطاعم والخدمات بين (52 - 31 ألف ريال)، حيث نجد أن إنتاجية العامل تنخفض بشدة في الفئة الأخيرة المتعلقة بالفنادق والمطاعم والخدمات.
هناك قرارات اتخذتها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية أهمها رفع نسب التوطين في الأنشطة الاقتصادية في برنامج نطاقات نظرًا لأهمية تحسين أداء سوق العمل وتحقيق نسب توطين تتناسب مع التطورات والإستراتيجيات السعودية للتوظيف وإلزام منشآت القطاع الخاص الأكبر حجمًا بنسب توطين أعلى مقارنة بمثيلاتها من نفس النشاط ذات الأحجام الأقل، باستثناء عدد من القطاعات كالبناء والتشييد ومكاتب التحصيل وخدمات العقار، كما ألزم نطاقات الجديد المنشآت الصغري مثل المدارس الأهلية والمدارس الأجنبية بنسب توطين مقارنة بمثيلاتها الأكبر حجمًا.
وهناك مشروع جديد لتوظيف 20 ألف سعودي في البقالات، ومحال بيع المنتجات التموينية والاستهلاكية بنسبة 100 في المائة، وهي تعمل على توطين الوظائف على قطاع السياحة التي وصلت النسبة بنحو 60 في المائة، وتخطط الوزارة لتوطين 93 ألف سعودي وسعودية في القطاع الصحي الحكومي بنهاية عام 2020 وصلت نسبة الإنجاز 50 في المائة، وتعد المولات من الأهداف الإستراتيجية بنسبة 100 في المائة على السعوديين بحيث يتم تطبيق المرحلة الأولى في القصيم وهي ما زالت في مرحلة التنفيذ.
هذا علاوة على تشجيع القطاع الخاص وتنوي الوزارة بالرفع من أجل تقليص الرسوم الحكومية على المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهناك مشروع خليجي لربطها وتمويلها لضمان الاستمرارية، إلى جانب حماية الأجور لنحو 3.5 مليون موظف في 16.5 ألف منشأة خلال 5 أشهر للمنشآت التي يفوق عدد عامليها فوق 60 عاملاً بأن يكون إلزاميًا، وهناك مرونة أيضًا في قطاع العمل حيث تم نقل خدمات نحو 1.9 مليون وافد بين منشآت القطاع الخاص خلال 3 سنوات.
تقود وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مبادرة لقطاع الأعمال انطلاقًا من تشاركية العمل المتكامل لتعزيز قدرة القطاع الخاص على تأدية مهمته وتعد الوزارة أنها ملتزمة بتطبيق المفهوم التكاملي في العمل انطلاقًا من مسؤولياتها في تنظيم وتحسين سوق العمل وإتاحة فرص العمل المناسبة لأبناء وبنات الوطن في ضوء بيئة عمل منتجة وجاذبة.