د.عبد الرحمن الحبيب
صدر مؤشر بازل لهذه السنة، وهو يقيمِّ البلدان حسب درجة خطورتها في غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويغطي 146 بلداً، موضحاً أنّ أولها إيران (بدرجة 8.60 من عشرة) التي كانت دائماً بصدارة الدول في هذه المخاطر، باستثناء عام 2013 كان ترتيبها الثاني.
هذا يجرنا إلى التباس شائع في فهم رفع العقوبات الدولية على إيران بعد توقيع الاتفاق النووي، بأنه رفع بالكامل، بينما هو رفع عقوبات متصلة بالبرنامج الإيراني النووي وليس بعقوبات متصلة بغسيلها الأموال وتمويل الإرهاب.. هذا اللّبس انطلى حتى على كثير من خصوم النظام الإيراني، فمنحوه نجاحاً لا يستحقه. ففي الوقت الذي امتثلت فيه إيران للاتفاق النووي، ما أدى لرفع بعض العقوبات الأوروبية، فإنّ العقوبات الأمريكية لا تزال قائمة، باستثناء عناصر محدودة مثل الطيران المدني والمنتجات الزراعية.. لذا فإنّ طهران تشتكي من أنها لم تتلق المزايا والاستثمارات بعد تخفيف العقوبات، مهددة بأنّ الصفقة النووية التي التزمت بها قد تنهار..
حتى بدون مؤشر بازل فتعاملات إيران المالية معروفة على نطاق دولي بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وفقاً للهيئة العالمية لمكافحة غسل الأموال (فاينانشيال أكشن تاسك فورس)، موضحة أنّ رفع العقوبات المالية مشروط بتحسن سلوك إيران التي لم تُرفع من «القائمة السوداء شديدة الخطورة»، ومحذرة البنوك الدولية من خطورة التعاملات المالية مع إيران.. «إيران منبوذة مالياً» حسب تعبير هذه الهيئة.
ورغم المحاولات الإيرانية للامتثال لمعايير هذه الهيئة، وإصدارها بعض التشريعات الخاصة بذلك، فإنّ ثمة منظمات في إيران فوق القانون مثل المجلس الأعلى للأمن الوطني والحرس الثوري، فيما يعاني النظام المصرفي من استشراء الفساد والتسييس وانعدام الشفافية، وهي علامات تجعل الاستثمارات الأجنبية تحاذر الدخول في إيران.. فضلاً عن أن إيران تعلن بوضوح وبفخر عن دعمها لجهات مصنفة إرهابية..
وكان «فريق العمل المعني بالعمليات المالية» المكوّن من الدول الصناعية أصدر العام الماضي، بياناً يحذر الدول الأعضاء من مخاطر تعامل مصارفها مع إيران بسبب علاقتها بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.. وذكر أنّ العمل لا يزال مستمراً بتدابير مضادة «لحماية النظام المالي الدولي من عمليات غسل الأموال المستمرة والكبيرة ومخاطر عمليات تمويل الإرهاب التي مصدرها إيران»..
إذا انتقلنا لمؤشر بازل (وهي منظمة في سويسرا غير حكومية وغير ربحية)، فهو منذ عام 2012 يقيس مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب للبلدان، جامعاً 14 مؤشراً تتناول لوائح مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومستوى الفساد والمعايير المالية والإفصاح المالي والشفافية والحقوق السياسية وسيادة القانون، وضمها في درجة واحدة من عشر درجات للمخاطر العامة. ويتم تحليل النتائج وفق منهج أكاديمي صارم، تحول بعدها لمحكمين دوليين وخبراء مستقلين لتقييمها.
توضح النتائج أنّ أعلى عشر دول خطورة لم تتحسن فعلياً طوال ستة أعوام، باستثناء السودان الذي أظهر تحسناً ملحوظاً، وخرج هذا العام من قائمة الدول العشرة الأُول، حيث نقصت درجته من 7.85 إلى 7.0. أما ثاني الدول بعد إيران فكانت أفغانستان (8.38 درجة)، ثم على التوالي: غينيا بيساو، طاجكستان، لاوس، موزنبيق، مالي، أوغندا، كمبوديا، تنزانيا.
تتميز هذه الدول أنها لا تلعب دوراً مهما في النظام المالي العالمي.. وأهم علاماتها هو ضعف العناصر الهيكلية والوظيفية لمكافحة الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، وضعف النظام القضائي وتطبيق القانون، وفقر مقاييس النظام المالي وانفلات التحكم فيه، وضعف الشفافية، إضافة لسوء الوضع السياسي. وحسب التقرير، لا يعني أن هذه الدول هي بالضرورة الأعلى عالمياً في غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، بل يعني أن نظام مكافحة غسيل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب هو الأضعف بين دول العالم. لذا فإنّ التعامل المالي مع هذه الدول يحتاج الحذر وفهم بيئتها الخاصة السياسية والاقتصادية لتخفيف المجازفة العالية في التعامل معها.
أفضل البلدان وأقلها درجة في الخطورة حسب المؤشر، هي على التوالي: فنلندا (3.04 درجة)، لتوانيا، أستونيا، بلغاريا، نيوزيلندا، سلوفينيا (4 درجات). بالنسبة للبلدان العربية فالمؤشر لم يغطِ: العراق، سوريا، ليبيا، عمان.. وكان لبنان الأعلى في الخطورة (7.07 درجة) والسودان (7.02) ثم اليمن (6.80)، وفي الوسط كل من الجزائر، المغرب، تونس، الإمارات، بين 6.5 و 6.0 درجات. أما أقل البلدان العربية فكانت: البحرين، مصر، الكويت، السعودية، قطر، بين 5.8 و 5.10 على التوالي، في حين حصلت الأردن على الدرجة الأقل (4.90).
أما الدول غير العربية ذات الاقتصاديات الضخمة فتأتي الأعلى في درجة الخطورة كلٌ من: الأرجنتين، تركيا، باكستان في حدود 6.6 درجة، ثم الصين (6.5 درجة) وإندونيسيا (6.3)، روسيا والبرازيل (6.2)، ماليزيا (6.1).. وفي الوسط تأتي الهند (5.6)، واليابان (5.4). وفي آخر القائمة بأقل من خمس درجات: كندا، أستراليا، كوريا الجنوبية، أمريكا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، على التوالي.
أخيراً، ينبه التقرير أنّ مؤشر بازل لمكافحة غسل الأموال لا يقيس الوجود الفعلي بالأرقام لنشاط غسل الأموال أو مبلغ الأموال المالية غير المشروعة داخل بلد ما، ولكنه مصمم لوضع مؤشرات لمستوى المخاطر، أي نقاط الضعف في غسل الأموال وتمويل الإرهاب داخل البلد.