د. خيرية السقاف
الصبح أمس كان مبتسماً تماماً
بكامل هندامه النقي, وملامحه العريضة المشرقة..
بشذى ثوبِه الفضفاضِ, وبكفيه المشرعتين
كان يصافح الملامح في الوجوه, والعيون في الرؤوس بكفيه الدافئتين..
كان يشد بفرحه المترف كفوف المارة به, ومدار الهواء, بل حتى ذلك الدبيب المتقد في الصدور, وتلك الأوراق الخضراء في غصون الشجر على حواف الطرقات, والأرصفة بل مسارات تتعرّج في مداخل البيوت, والناسُ تغادرها نحو أعمالها بهمّة العائد, وبشوق الأواب..
الصبح أمس أتى بكل ما أعدّ في منْجَمه لثلاثة شهور مضت وتزيد لفجرهم, لليوم اليقظ في حركتهم, وأنفاسهم, , لما سيأتي من قادم أيامهم..
ولهم أن يكونوا مفعمين بما جاءهم به, فرحين بعطاياه التي خزَّنها لهم ثم قدَّم..
وكنتُ أرقب أبواب البيوت, ونشوة الشوارع, وهدير العربات, والصبح الذي كان بالأمس الأول نائماً إلاّ من يقظة الطبيعة, ومن أولئك الكادحين الذين لا يعرفون الراحة, ولم يتعودوا على الهجوع..
كنتُ أقارن بين حلمٍ نشطٍ متمرد ٍفي الجوف, وبين خيبةٍ تحترق في صدور أُخَر..
بين من تسربت ثلاثة شهور وزيادة من بين أصابعهم كالماء, وبين من يكافح في دائرتها ليقبض ولو ساعات منها لذاته..
كنتُ في المشهد أمس أتأمّل فيما يعني الصبح حين يهل بكامل ساعات اليوم حتى تغيب شمسه لكل الناس, ولكل فرد فيهم, ولبعضهم, ولمن لا يتفكر في معناه..؟!
لملمتُ أسئلتي وذهبت لمنجم تساؤلاتي, أخذتُ شيئاً من ذلك الصبح صُبحَهم معي,
استضفته, قدّمت له كوباً من الشاي الذي أصنعه في صباحي على الشمع..
ذهب يحتسيه, وهو يمزج نورَه, بوهج نور الشمعة , ويتنهّد طويلاً مع أبخرة الشاي..!!