عبدالعزيز السماري
لعل أكثر قضية يتداولها الإعلام بمختلف توجهاته حول كيف الخروج من دوائر التخلف العربي، وهل بالإمكان تحقيق المعجزة فوق كثبان الرمال العربية، أم أن الأزمة أكبر بكثير مما يرجوه الإنسان العربي، ولو قدر لي أن اختار علة واحدة لتفسير ما يحدث على الأرض لما أستطعت، فالمسألة أكبر مما نراه على السطح..
فالواقع يقول أننا نعيش في بحر متلاطم من الصراعات الأيدولوجية وتضاد السلطات والتفسيرات والاتهامات، والأيدولوجيا لا تعني فقط الإرادة السياسية المبطنة تحت ظاهر ديني أو قومي أو بعثي أو طائفي، فهي أشمل من ذلك بكثير، فالمصالح بإختلافها وتنوعها لا تظهر بشفافية متناهية، ولكن تبدو مغيبة عن الخطاب الخاص والعام.
من أهم الأيدولوجيات المغيبة في الطرح الثقافي أيدولوجيا الإقليم، وهي في غاية الخطورة لما فيها من اختطاف للمصالح العامة، فالإقليمي المؤدلج يحرص على دفع أبناء منطقته لتتبوأ المراكز تحت مظلة الوفاء للمنطقة، لكنه وفاء للمصالح الخاصة، ولو كان لذلك الضرر البالغ بمصالح الآخرين في الوطن.
أيدولوجيا الإقصاء مثال آخر على الأيدولوجيات المهمشة في القراءات الكبرى، لكنها أشبه بالفيروس الذي يفتك بمصالح المجتمع، والخطورة عندما يكون هناك سجلات للتوجهات، وهو ما يجعل من الغالبية ضحايا للإقصاء، وبالتالي تقل فرصهم في المشاركة في خدمة الوطن..
كذلك يظهر في ذلك الهامش الأيدولوجي أيدولوجيا المصالح الخاصة، وهو يعني أن الهرم الإداري في القطاع الخدمي يتحول إلى شبكة تدير مصالح خاصة خلف أقنعة خاصة أيضاً، وبسبب غياب الشفافية تكبر تلك المصالح وتتحول بعد حين إلى إمبراطوريات مالية ضخمة.
لعل أخطرها تلك الإيدولوجيات التي على الهامش تلك التي تخدم،بوعي أو بدن وعي، مصالح خارجية،، وعادة ما تكون تحت مسميات براقة، لكنها لا تخدم الصالح العام، وتزيد ظاهرة التآمر العربي من خطورتها.
لهذا السبب على وجه التحديد ترتفع أحياناً مطالبات بتقنين تشريعات لتطوير آليات المجتمع المدني، وهو ما سوف يؤطر العمل الاجتماعي لمصالح وطنية، وبالتالي قطع الطريق على أولئك الذين يعملون من أجل مصالح خاصة خارج الحدود أو داخله.
لذلك لا يمكن أن يكون هناك حل نموذجي ومثالي لهامش صراع المصالح المرير في المجتمع العربي إلا بتحييد السلطة العليا في قضايا المصالح الخاصة، و يعني ذلك أن تكون هناك سلطة عليا تتسم بالحياد والتفوق، وتكون لها اليد العليا في تقديم وفرض التشريعات العامة، كما أنهما تتحمل مسؤولية الحفاظ على وحدة الدولة وحفظ الحقوق العامة والخاصة، بإعتبارهما المنفعة التي يشترك فيها الجميع بسواسية.
بإيجاز يحتاج المجتمع العربي إلى عقل متفوق تاريخياً ليقوم بعملية التنظيف من سموم الصراع الأيدلولجي، ذلك برفع مستويات الشفافية و دعم استقلال السلطات التنفيذية عن بعضها البعض، فقد عانى الإنسان العربي كثيراً من حالة الإيدلوجيات المتضادة في الهامش أو غيره، ولعل ثمنها ما تعيشه أغلب الشعوب العربية في تخلف وعنف وإرهاب وتسلط، ولا بديل عن فرض مبادئ عامة وتشريعات عليا تمنع تضخم الأيدلولجيات التي تخدم القضايا الخاصة.