د. أحمد الفراج
بين الديمقراطية الحقيقية والفوضى شعرة، كما أن بين الحرية والفوضى شعرة أيضًا، وهذا ما لا يدركه بعض الحالمين، ممن تستهويهم الشعارات الرنانة، التي تنسجم مع الغوغائية التي ابتلي بها عالمنا العربي، منذ أمد طويل، ولا يوجد أحد يعترض على الديمقراطية، إذا استكملت شروط تطبيقها. هذا، ولكن المطالبة بها يجب أن يكون نابعًا من رغبة حقيقية، وليس مجرد الرغبة في حصد الأصوات للحزب المفضل، وهو الأمر الذي يفعله أنصار التنظيمات الحزبية، خصوصًا تنظيم الإخوان المسلمين، الذين يطالبون بالديمقراطية، لعلمهم بأنهم يستطيعون تحريك الشارع بالشعارات الدينية، وبالتالي الفوز بأغلبية الأصوات، ومن ثم القفز على كرسي للحكم للأبد، كما حاول التنظيم فعله في مصر، بعد نجاح المؤامرة الأوبا-إخوانية في إسقاط الرئيس حسني مبارك.
قبل عقدين، كتبت مقالاً أثار جدلاً، عندما تحدثت عن أن «الوعي الشعبي» شرط ضرورة للممارسة الديمقراطية، إذ إن الحراك الديمقراطي دون وعي شعبي سيقود حتما لكارثة، نظرًا للتحزبات الدينية والقبلية السائدة في المجتمعات العربية، وما زلت حتى اليوم أحتفظ بهذا الرأي، خصوصًا ونحن نشاهد ما يجري من فوضى وقتل، في البلدان التي طالتها فوضى الربيع العربي، وربما أن التجربة الديمقراطية في الكويت، وفي مصر، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أهمية الوعي الشعبي، فالشعب المصري، الذي انتظر طويلاً، وحلم كثيرًا بحراك ديمقراطي، صدم من هول ممارسات تنظيم الإخوان الديكتاتورية الإقصائية، بعد فوزه بالحكم، ولو لم يستيقظ الشعب المصري، ويدعمه جيش مصر، وزعماء عرب، يتقدمهم الملك الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، لذهبت مصر إلى المجهول، في ظل حكم فاشي، كان يسير بمصر لتصبح دولة فقيه سنية، على غرار دولة الولي الفقيه الشيعية في إيران.
وكما أن الوعي شرط ضرورة لممارسة ديمقراطية حقيقية، فإنه أيضا شرط ضرورة للأنظمة السياسية، التي لا تفرق بين الحرية، وبين الفوضى والتعدي على حرية الآخرين، فنظام الحمدين في قطر، الذي يمارس بث الفوضى في دول الجوار، واستقطاب شذاذ الآفاق، ودعم التنظيمات الإرهابية، يعتقد أنه يمارس بذلك حرية مباحة، إذ يشيع، عن طريق خلاياه الإلكترونية، أن قطر هي كعبة المظلومين، التي تسعى إلى نشر الحرية والعدالة والديمقراطية في كل مكان، عدا بالطبع قطر، التي تمنع فيها ممارسة الحرية، بل وتسحب جنسية من يجرؤ على ذلك، هذا إذا لم يتم سجنه وتعذيبه، وهنا يتضح مدى الانفصام، الذي يمارسه هذا النظام، الذي يمتهن السياسة، في ظل غياب البعد الإستراتيجي، والتخبط والتناقض، الذي يزكم الأنوف، والخلاصة هي أن الوعي الشعبي شرط ضرورة للممارسة الديمقراطية، وذات الوعي يعتبر شرط ضرورة للأنظمة الحاكمة، حتى تفرق بين الدعوة للحرية الحقيقية، وبين التدخل السافر في شؤون الدول الأخرى ودعم الإرهاب باسم الحرية!