الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
تعد خصلة النفاق من أعظم الذنوب، ومرض اجتماعي تهدر فيه القيم الإسلامية الصحيحة، ورغم تحذير الإسلام منها، وعلى الرغم من النصوص القرآنية في ذم المنافقين، وتحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من خصالهم، فضلاً عن العقوبات التي يتوعد بها المولى عز وجل ورسوله الكريم هؤلاء الذين ابتلاهم الله بهذه الخصلة السيئة إلا أنها انتشرت تلك الرذيلة، وتمكنت من كثير من الناس.
والنفاق مرض يصيب القلوب ويورث الذل، ويبتلع المصداقية وهو بداية للشقاق، وشيوع النفاق وخطره داهم على الأمة.
اثنان من المتخصصين في الشريعة والعلوم الاجتماعية.. تحدثوا حول النفاق وخطورته على الفرد والمجتمع وذلك وفق التالي:
التلبيس على الناس
يشخص الدكتور عبدالرحمن بن زيد الزنيدي الأستاذ بكلية الشريعة بالرياض النفاق بأنه مرض نفسي خبيث، إذا توطن قلب إنسان أفسده فساداً يصعب برؤه منه، وهو جريمة لضخامتها يندر أن يعتذر عنها أصحابها، ويقول: إن المنافق أخطر على الإسلام والأمة من الكافر الصريح الذي يعلن عدوانه من الخارج، ويتعامل معه الناس بوضوح، ولهذا كان لجريمة النفاق في دين الإسلام عقوبة من أشد العقوبات وأنكثها يوم القيامة، وهي تعذيب صاحبه في قعر جهنم، حيث الكفار والمشركين إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا «النساء: 145».
ويضيف د. الزنيدي: وكثير من الآيات التي ورد ذكرها في القرآن الكريم جاءت لتكشف صوراً من ممارسة المنافقين، وخصائصهم النفسية، ومواقفهم الاجتماعية، وتحذر من انحراف أفكارهم وضلال فلسفاتهم، ومحاولة إلصاق الشر بالأمة، فهم يزعمون -تمويهاً على الناس- أنهم مؤمنون، ويسعون للإصلاح، وحب الوطن وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ «البقرة:8»، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ «البقرة:11».
وهم أيضاً الذين إذا انتقد خروجهم على منهج الله وتجاوز سبيل المؤمنين، وقيل لهم لماذا تخرجون على ما يدعو إليه المصلحون ودعاة الإسلام، ثارت ثائرتهم، وصاروا يتهمونهم بأنهم سذج وسفهاء وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ «البقرة:13»، كذلك المنافقون يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع المسلم, حيث يسهمون في هدم عفة المرأة, وفي ترويج التحلل الخلقي, والفساد الجنسي بمقارفته مباشرة بالحديث والكتابة والأدب والفن, وهم على الرغم من فقدانهم الارتكان على حقائق سليمة, ومواقف صحيحة إلا أنهم يتخذون الأدب وصناعة الكلام من أجل التمويه وتغطية نفاقهم والتلبيس على الناس, وبالذات على القيادات وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ المنافقون 4.
علامات وصفات
ويوضح الدكتور عبدالعزيز بن حمود المشيقح أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة القصيم أن النفاق هو القول باللسان أو الفعل بخلاف ما في القلب من القول والاعتقاد، أو هو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه فكان وعيدهم الشديد قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار}، وينبغي التنبه من النفاق والمنافقين وعدم الانخداع بأقوالهم وأفعالهم وخطرهم على المجتمع، فإذا أردت معرفتهم فشاهدهم في زمن انتصار الدعوة وعز الإسلام وأهله وعندما يستأصل الكفر وتحارب المعاصي هنا يظهر النفاق على حقيقته، إن كل من يحارب الدين والدعاة والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر فضعوهم بين قوسين وتابعوا أقوالهم وأفعالهم، فالمنافقون لهم علامات وصفات منها: مرض القلب فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وطمع الشهوة فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ، وهؤلاء ظنهم سيئ بالله: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}، الجلوس إلى المستهزئين بآيات الله {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا}، والتفريق بين المؤمنين والدس والوقيعة وإشعال نار الفتنة واستغلال الخلافات وتوسيع شقتها، وموالاة الكافرين والتربص بالمؤمنين {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا}.
ومن صفاتهم والكلام للمشيقح، مخادعة الله والكسل في العبادات والرياء وقلة الذكر والتذبذب بين المؤمنين والكافرين {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}* مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً، والكذب وإخلاف الوعد وخيانة الأمانة.. للحديث (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان).. وفي رواية (وإذا خاصم فجر) وما أكثرهم هذا الزمان وإن تلبسوا بالتقية، وطاعة الكفار والمنافقين والفاسقين في بعض الأمر ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ ، وحبهم لإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا (قصة الإفك) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ، وحسن أجسامهم في بعض الأحيان وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ فلا تعجبك أموالهم ولا أجسامهم، وأن من الواجب محاربة النفاق في المجتمع قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ، لذا يجب علينا التعرف على صفاتهم وكيدهم من القرآن الكريم والتعريف بالنفاق وطرقه وأساليبه وصفات أصحابه وفضح مخططاتهم، وأخيراً ما أكثرهم في هذا الزمان خاصة مع طغيان المادة وتعاظم الشهوات وحب المناصب على حساب الذمم وتغلل الأعداء في المجتمع.