علي الخزيم
مقاطع متداولة إما أنها للتسول التِّقني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أو لسرقة من رقَّت قلوبهم ومنحهم الله سبحانه اللطف والعطف ولين الجانب، ومن أمثلة محتويات وحكايات تلك المقاطع والرسائل: هذا رجلٌ فقير يسكن بسيارته المتهالكة وأحيانا ينام بالحدائق، وهذه أدوية سكر الدم والضغط التي يتناولها هذا الفقير، وإليكم رقم جواله للمساعدة بما تجود به الأنفس المحبة للخير، ومثال آخر: هذه عائلةٌ فقيرة وهذا مسكنهم المتواضع، أو طفلهم المعاق، وإليكم جوال أمهم للتواصل والتبرع، وبعض ناشري مثل هذه المقاطع والرسائل يستحلف كل من شاهد وقرأ أن لا يتركها دون تكرار النشر، ومنهم من يدعو بالويل والثبور على من لا يتجاوب أو من لم يرسلها للآخرين، ويتوعدهم بعذاب أليم ينتظرهم.
هذه القصص وغيرها قد يكون منها الصادق وقد يكون غير ذلك، ويُؤمَل إن بعض ناشري المقاطع من يُحْسَن الظن به كونه محباً للخير وإنه بدوره إمَّا أن يكون مُطّلعاً على أحوال من يتحدث عنهم أو أنه ليس إلا مُصدِّق لما شاهده كغيره من الطيبين، لكن الحذر ممن ينشرون متعمدين للكذب في سبيل التسول الممقوت والابتزاز عند الاتصال بِحِيَلٍ متعددة أو لسرقة أموال التبرع والصدقات والعياذ بالله، ومنهم من لو قابلته وسألته هل تبرعت للمسكين الذي بالمقطع؟ فلربما قال: أنا لا اثق بالناشر الأصلي لكني أعدت نشره لعل أحد يتحقق ويفعل خيراً، إذن هي اجتهادات غير منضبطة ولا تستند إلى مواثيق يمكن الاطمئنان إليها.
ربما يقول قائل: عليك الاتصال بالرقم والتثبت، فأقول: ليس على كل من يريد فعل الخير أن يتحول إلى مُحَقّق وخبير بالشؤون الاجتماعية أو باحث اجتماعي ليقدم بالنهاية حفنة من الريالات أو ملابس مستعملة، وأرى - ضمن الحلول - أن يتولى عُمَد الأحياء جزءًا من المسؤولية وذلك بفتح قنوات تواصل بين العُمد وجهات الاختصاص الرسمية كالشؤون الاجتماعية ومكاتب الضمان الاجتماعي وكذلك الجمعيات الخيرية ونحوها، وأن تُسَنَّ أنظمة محددة للحد من فوضى النشر ومنعاً للممارسات الخاطئة والنوايا السيئة المستغِلة لمثل هذه الثغرات.
ومن طرائف القصص أن رجلاً عُرف بحب الخير ومساعدة الأيتام بالحي، قد تواصل مع رجل ثري يعرف مسبقاً أنه يوزع صدقات في رمضان وشرح له أوضاع الأسرة المعنية، وحسب الموعد استأجر سيارة (وانيت) بِنيَّة حمل كمية المعونة، وتوجَّه لمقر فاعل الخير وحدَّثه أنه إنما جاء لاستلام ما وعد به من مستلزمات للأيتام ووالدتهم، فأشار إلى كيس بلاستيكي بالزاوية المقابلة، وقال فضلاً أوصله واطلب منهم أن لا ينسونا من دعواتهم الصالحة!
وحدَّثني الرجل بنفسه قائلاً: لقد خجلت من فتح الكيس أمامه لعدم إحراجه، وحينما خرجت تفقدت الكيس وإذا بداخله كيسين من المكرونة زنة نصف كيلو ومثلهما شعيرية، وعبوة زيت وثلاث علب تونة متوسطة الحجم، وشيء من الدقيق، وأضاف: إن أجرة الوانيت تعادل قيمة هذه الأشياء مضاعفة، ولو كنت أعرف لاشتريتها على حسابي من بقالة الحي وأرحت نفسي، وكسبت مزيداً من الأجر.