د. أحمد الفراج
في كل دول العالم، بما فيها الدول التي لا تمارس الديمقراطية، يحدث أن ينتقد المواطن قراراً ما، أو يكون له رأي مخالف تجاه سياسة معينة، وهذا أمر مقبول وصحي، اذا تم في إطار الطرق المسموح بها نظاما، لأن هذا المواطن أبدى وجهة نظره من منطلق حرصه على مصلحة الوطن، فهو في الأصل محب لوطنه، وحريص على أمنه واستقراره، وسيكون أول المدافعين عنه ضد أي خطر محتمل، وغالبا فإن الحاكم يقدر غيرة المواطن الصالح، الذي يسلك الطرق السليمة في ابداء رأي مخالف، بعيدا عن التشويش والإثارة ولعب دور البطولة الوهمي، وفي الدول الديمقراطية تقوم المعارضة بذات الدور، فالأحزاب المعارضة هي المحفز الرئيس للحكومة، التي تصبح لاحقا هي المعارضة، وغني عن القول إن الحكومة والأحزاب المعارضة تتوحد كلمتها، اذا تعلق الأمر بالأمن القومي، أو اقتضت المصلحة العليا ذلك.
وهناك خيط رفيع بين حرية النقد المسموح بها، وبين الخيانة، أي عندما يتعاون شخص، أو تنظيم، مع دولة أخرى ضد الوطن، اذ يعتبر ذلك خطا أحمر، حتى في أعتى البلاد الديمقراطية، وهناك حكايات لا تحصى لمواطنين غربيين، تم القبض عليهم بتهم التجسس لصالح بلدان أخرى، ومن ثم حوكموا، وحكم عليهم بأقسى العقوبات، ولعل الأبرز في هذا الخصوص هي حكاية المواطن الأمريكي، جون بولارد، الذي تم كشف تجسسه لصالح إسرائيل، في عام 1985، وتمت محاكمته، وحكم عليه بالسجن ثلاثين عاما، ورغم أن إسرائيل لها سطوة بالغة في أمريكا، وتتحكم في مفاصل كثير من المؤسسات الهامة، ويدعمها كل الساسة الأمريكيين، علاوة على وجود منظمة ايباك الإسرائيلية القوية، والتي يخضع لها كل ساسة أمريكا، إلا أن كل ذلك لم يفلح في تخفيف العقوبة، ناهيك عن العفو عن الجاسوس جون بولارد.
حاولت إسرائيل بكل ما تملك من قوة أن تضغط لتخفيف الحكم عن بولارد وفشلت، ولأن من أهم صلاحيات الرئيس الأمريكي حق العفو عن المحكومين، فقد حاولت اسرائيل أن تستصدر عفوا للجاسوس بولارد مع عدة رؤساء أمريكيين، وفشلت بذلك، فقد اعتذر الرؤساء، رونالد ريجان، ثم جورج بوش الأب، ثم بيل كلينتون، ثم بوش الابن، وأخيراً باراك اوباما، عن العفو عن بولارد، رغم أن بإمكانهم فعل ذلك، لأنه لا أحد يريد أن يلحقه عار العفو عن خائن لبلاده!، ولذا قضى بولارد كامل المدة في السجن، وعندما انتهت محكوميته في عام 2015 ألزمته المحكمة بالإقامة الجبرية مع المراقبة الدائمة، ولا زال هذا وضعه حتى اليوم، وقد اسهبت في قصة هذا الجاسوس، ليتبين لنا عظم جريمة التخابر والتجسس لصالح دولة أجنبية، وهو الجرم الذي قامت به خلية في المملكة، تم القبض على أعضائها مؤخراً، وهذا سيكون موضوع المقال القادم.