وجوه شابة تائهة تدور حول نفسها في مساحات ضيقة.
لا تجيد ضبط الوقت والأعصاب، تتزاحم في صفوف غير مرتبة تلوح بأوراق وملفات تطرد حر الصيف وتطرد أفكاراً وقلقاً من نوع آخر.
هناك في آخر الممر وعلى كرسي صغير تجلس امرأة مسنة تتأرجح بين غفوة ويقظة، تبرق عيناها المتعبتان.
فتبتسم وهي تنظر لابنتها وكأن حلم جميل داعب جفنيها الثقيلين.
أما أنا فأسترق النظر مما هو خلف الأبواب والحوائط الزجاجية.
أحاول اصطياد أجوبة لأسئلة ترهق رأسي.
وفِي زحمة الضجيج المتذبذب أتفقد حقيبتي الضيقة بالأوراق.
هذه شهادة الحاسب الآلي وهذه تزكية من دار تحفيظ.. دورات في الجرافيك والخط العربي.. وسيرة ذاتية ذيلتها برقم هاتفي.. وهنا شهادتي الجامعية البائسة تفتقر لكثير من الحظ.
حان دوري في المقابلة الشخصية.
هندامي رسمي للغاية.. وشعري مربوط إلى الخلف.. أظافري متوسطة الطول وليست مطلية.. لم أضع مساحيق تجميلية كما طلبت أمي.
لملمت بعضي على عجل ودخلت.
من خلف مكتب كلاسيكي عريض كانت تنظر إلي بنظرات طويلة متفحصة.. واستقر نظرها على أظافري، ثم ساد صمت طويل نهش ما تبقى من صبر.
أرجعت بظهرها إلى الوراء بعد أن رمت بقلمها الذهبي اللامع على الطاولة، وبنبرة حادة وبصوت أفزعني صرخت قائلة:
«أظافرك طويلة!!.. بالله عليك هذه أظافر وحدة جاية تقدم على وظيفة؟!».
لم تسألني عن الأوراق المرتعشة في يدي.. لم تسألني عن تفسير آية أو تجويدها!.. أو عن برامج الأوفيس وقوالب التصميم!.. أو عن رأيي في الربيع العربي وآثاره!!.. أو عن البطالة والفيتامين المعجزة (واو)!! لم تسألني عن أي شيء سوى....
أظافري.
دسست الخيبة في جيبي.. وخرجت..
وأنا أقضم أظافري.