البخل وهو كنز المال وجمعه وعدم إنفاقه في المباحات بحجة الخوف من عاديات المستقبل، والبخل خصلة ذميمة مكروهة تمنع الفرد من البذل والعطاء، ومن الصفات القبيحة التي تقلل من الرجولة، وكان نبي الإسلام محمد صلي الله عليه وسلم يتعوذ منها، كما ورد في الحديث الشهير «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال».
وقد أخبر الله تعالى عن كراهته لخُلق البخل، فبعد أن نهى عن هذا الخُلق السيئ بقوله: وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ، وهو مجاز عن منع الحقوق الواجبة وترك الإنفاق، فيكون بمنزلة من يجعل يده مغلولة إلى عنقه فلا يعطي من ماله شيئًا، وأمر بالاعتدال والتوسط في النفقة والعطاء ،قال تعالى بعد ذلك: (كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا) أي: هو خصلةٌ قبيحة مذمومة عند الله، وفاعل ذلك مكروه عندَ الله.
يقول الله تعالى:
وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ * بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ * سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ* وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ * وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ آل عمران:180، حيث يجعل الله للبخيل مما بخل به طوقًا حول عنقه، فكلما منع البخيل نفسه من العطاء ازداد الطوق ثقلًا.
عن جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم». رواه مسلم، أي: استحلوا ما حرم الله عليهم حرصا على المال، كما احتالوا على ما حرم الله عليهم من الشحوم، فأذابوها فباعوها واحتالوا لصيد السمك فحبلوا له يوم الجمعة وأخذوه يوم الأحد، وغير ذلك مما استحلوا به محارمهم وسفكوا به دماءهم.
إن علاقة البخيل بمن حوله من أسوأ العلاقات على الإطلاق ويشمل ذلك عائلته وأولاده وأرحامه وسائر المتصلين به بنسب أو سبب، فهو حينما يبخل على زوجته بما تحتاجه أو يحوّل منزله إلى محاضر استجواب عند شراء أي فرد من أفراد أسرته شيئاً أو طلبه لأمر ما لن يكون الوئام والانسجام موجوداً في ذلك البيت، فهو لن يرتاح لما سيلقى من ردّات فعل على منعه وحرصه، وكذلك الآخرون لن ينعموا بالراحة في العيش معه، وهكذا علاقاته الاجتماعية خارج الأسرة لن تكون ناجحة أو وطيدة.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: «ليس لبخيل حبيب» ونفسياً، البخيل أشد الناس عناء وشقاء، يكدح في جمع المال والزاد ولا يستمتع به، وسرعان ما يتركه لورثة طالما حرمهم منه، فيعيش في الدنيا فقيراً وفي الآخرة يحاسب أشد الحساب.
فالبخل نوع من أنواع ضلالات الاضطهاد والشك أن الفرد يشعر فيها أنه سوف يحتاج إلي كل قرش يمتنع الآن عن صرفه وأن من حوله سوف يبخلون عليه حين يكبر في السن أو يمرض أو يلازم الفراش فيقرر هو البخل عليهم قبل أن يبخلوا هم عليه في المستقبل.
علاج البخل يكمن في كثرة التأمل في أحوال البخلاء ونفرة الطبع عنهم واستقباحهم له، فإنه ما من بخيل إلا ويستقبح البخل من غيره، ويستثقل البخيل من أصحابه، فيعلم أنه مستثقل ومستقذر في قلوب الناس مثل سائر البخلاء في قلبه، ويعالج قلبه أيضا بأن يتفكر في مقاصد المال، وأنه لماذا خلق فلا يحفظ منه إلا قدر حاجته والباقي يدخره لنفسه في الآخرة بأن يحصل له ثواب بذله.
فهذه الأدوية من جهة المعرفة والعلم، فإذا عرف بنور البصيرة أن البذل خير له من الإمساك في الدنيا والآخرة هاجت رغبته في البذل إن كان عاقلا، فإذا تحركت الشهوة فينبغي أن يجيب الخاطر الأول، ولا يتوقف، فإن الشيطان يعده الفقر ويخوفه ويصده عنه.