الحمد لله الذي جعلنا من خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن المسلمين يفترقون عن المنافقين بعدَّة فوارق، من أهمها وأبرزها: أن المسلمين امتازوا بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ حيث شرَّفهم الله بها وامتدحهم بإقامتها بقوله: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} (110) سورة آل عمران، وأما المنافقون الطاغون فإنهم لا محالة سيعيشون على سياسة قلب الموازين وخلط الأوراق لمحاولة هزِّ القيم والمبادئ؛ لهذا وصفهم الله تعالى بقوله: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ} (67) سورة التوبة، وتعد تجربة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية تجربة رائدة، حققت إنجازات عظيمة، وخدمات جليلة، تستحق الإشادة والتأييد.
تقوم هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحملة كبيرة في رعاية مصالح الناس والحفاظ على حقوقهم ورعاية حرماتهم وصيانة أعراضهم، فجهودهم كثيرة ولعل من أهمها:
- حماية العقيدة من شوائب الشرك والبدع والخرافات والسحر والكهانة.
إلزام الناس بإقامة الواجبات الشرعية، وحث الناس على إظهار الشعائر الإسلامية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المتهاونين بها. صيانة الأعراض وحماية الأخلاق الإسلامية والآداب الشرعية وحفظ الفضيلة مما يدنسها من سيء القول والفعل، وقمع الرذيلة، ووقاية المجتمع من مخاطرها.
والمتأمل فيما تقوم به هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المملكة العربية السعودية يدرك بجلاء أهمية القيام بهذه الشعيرة، وأثرها العظيم في مكافحة الجرائم، وملاحقة المجرمين، وقطع دابرهم، وحماية المجتمع من شرِّهم وفسادهم، هذا بالإضافة إلى ما يقومون به من توجيه وإرشاد، وتربية وإعداد، ودعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، من تذكير الغافلين، وتعليم الجاهلين، حتَّى ينهض العاطل، وينشط المتكاسل، فهم يسهمون مساهمة كبيرة في تحقيق الأمن، وحماية مصالح الناس، وحماية الضرورات الخمس، التي أجمعت الشرائع السماوية والعقلاء في كل زمان على وجوب حفظها، وحمايتها من كل اعتداء واقع أو متوقع عليها، وهناك بعض الأقلام تتحدث ناقدة بشدة جهاز الهيئات، والتي همُّها في الغالب عرض الأخطاء والزلات التي تقع من أي فرد يعمل في قطاع حكومي، فهذا النقد له أغراض لم تعد مجهولة، وهذه الأغراض تتضح جلية بالمقارنة والجمع بينها، كما أن بعض هذا النقد سببه توجهات فكرية مناهضة للإسلام كالعلمانية والليبرالية وغيرها. ومحاربتهم للهيئات لأنها تمثل ولاية شرعية من نظام الحكم في الإسلام، ولأنها مظهر من مظاهره في المجتمع، لذلك فإن بعضهم لا يعترض على ما يشابهها في الأنظمة الغربية. ولا أعتقد بأن أي جهاز حكومي معصوم من الخطأ، إلا أني أرفض قطعاً أي نقد يراد به الإساءة لهذا الجهاز أو محاولة إلغاء دوره أو التقليل من شأنه، وأي نقد لا يهدف إلى الإصلاح أو إضافة نوعية للجهاز فإني أرى عدم إعارته أي اهتمام؛ لأن أهدافه في الغالب مغرضة ولا تخدم المصلحة العامة. وعلى جهاز الهيئات تسليط الضوء خلال المراحل القادمة على دور الهيئة الإصلاحي، وما يفعله بعض الحاقدين من تقصي أخطاء الهيئات، وتتبع عثراتها، وتهويلها والمبالغة فيها، كما يقال ومن الصغير كبيراً، وربما طالب بعضهم بإلغاء الهيئات وتعطيلها؛ كل ذلك من الظلم وقصر النظر. ولو أنا طبقنا هذا المنهج على بقية الدوائر الحكومية، والمؤسسات الأهلية؛ لم نبقِ منها شيئاً، ولعطلناها جميعاً، وهذا لا يعني بحال تبرير أخطاء الهيئات، أو السكوت عن تجاوزات منسوبيها إن حصلت، بل من أخطأ منهم يجب أن يصوّب، ومن تعدى وظلم يجب أن يُعاقب ويُؤدب. ولنتذكر جميعاً ماذا حل بالذين كفروا من بني اسرائيل بسبب كونهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ، كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} (78-79) سورة المائدة.
اللهم أرنا الحق حقاً وأرزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.