رقية سليمان الهويريني
داخل غرفة الانتظار النسائية في أحد المستشفيات، يحيط التوتر بالمريضات انتظاراً لدورهن بالدخول للطبيب بعد شهور من الصبر! تجلس المراجعات في الغرفة، وفي زاوية تتلو امرأة القرآن بصوت عالٍ، وبجانبها وافدة سافرة وجهها، وبجوارها شابة دون نقاب تقلب صفحات جوالها، وبناحية أخرى امرأة ترتدي قفازات في يديها وجوارب في رجليها، وممرضة رشيقة ترتدي معطفاً نظيفاً وهي تنادي على المريضات، وهناك مريضة متشحة بالسواد تقف أمام العيادة، وتقوم (بالاحتساب!) من خلال الانفراد ببعض المريضات والهمس في آذانهن فما يلبثن إلا أن يشكرنها ويدعون لها بالأجر!
فجأة وفي لجة الصمت علا صوت إحدى المريضات بعد حديث سريع مع المحتسبة وكان محتوى النقاش أن هذا الأمر لا يخصها وأنه ينبغي عليها الالتزام بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه» بينما استمرت المحتسبة بالمناصحة بحجة أنها من الدين ومن باب الأمر بالمعروف؛ حيث لا يجوز أن تُظْهِر عينيها أو ترتدي عباءة الكتف التي تحدد معالم جسدها! مما حدا بالمريضة التي وقع عليها النصح الإجباري، لرفض هذه الوصاية القسرية، وأن الأمر بالمعروف له أسلوبه وأدبياته طالما كانت المرأة محتشمة ولم تخالف التعاليم الإسلامية أو تتجاوز الأعراف الاجتماعية، وذكرت لها أن هناك نساء سافرات لم يوقفهن النظام ولم تتوجه لهن بالنصح، وأن المستشفى يضم طبيبات وممرضات وموظفات لا يرتدين العباءة أصلاً ولم ينكر الناس فعلهن طالما كن في مستوى الأدب والحشمة! ونبهتها أن المرء الراشد مسؤول عن تصرفه ويدرك أبعاده، وأن الدين ليس محصوراً بمفاهيم أشخاص بعينهم يتوقعون أن لهم الأفضلية بدخول الجنة؛ بينما دخول جميع المسلمين الجنة برحمة الله وليس بأعمالهم فحسب! مما اضطر المحتسبة للهرب ومغادرة المكان!
ضج المكان بموافقة المريضة التي رفضت أسلوب المناصحة الفج، وأنهن قد تعرضن لقسوة نصح المحتسبة وتوبيخها ولكنهن رضخن خوفاً من سطوتها أو لوم الباقيات! وقد اعتدن عدم مقاومة المحتسبين الفوضويين المستقوين بسبب هيمنتهم على الموقف!
ولأن النهي عن المنكر ينبغي ألا يخالف الشرع والعرف الاجتماعي؛ فإنه حان الوقت لمراجعة مفهوم الحسبة والاحتساب!!