محمد سليمان العنقري
قبل أيام قال مندوب قطر في جلسة لمجلس حقوق الإنسان بجنيف: إن دولته تتعرض لحصار وأن المواطنين وسكان قطر تضرروا منه، وجاء الرد سريعًا أمام مجلس حقوق الإنسان من الدول الأربع المقاطعة بأن ما تم اتخاذه من إجراءات بحق قطر يأتي في سياق التشريعات الدولية كحق سيادي يسمح بمقاطعة دولة لأخرى إذا كانت تتسبب لها بأضرار تزعزع استقرارها وأوضحت أن ما تم هو مقاطعة وليس حصارًا كما يدعي أغلب المسؤولين القطريين.
فالمقاطعة تعرف بأنها شكل من أشكال الاعتراض والاستنكار من قبل جهة أو دولة اتجاه شركة أو دولة بوقف التعامل معها سواء شراء أو بيع، بينما الحصار فله أدوات وآليات مختلفة أكثر تصعيدًا وينفذ غالبًا بوسائل عسكرية كدوريات السفن والطائرات لمنع وصول أي سلع أو خروجها من الدولة المحاصرة ويأتي ذلك وفقًا لتشريعات وقرارات دولية صارمة وهو ما لا ينطبق على ما قامت به الدول الأربع مع قطر من خلال المقاطعة كاستنكار لسياساتها العدائية ضدها على مدى 20 عامًا.
لكن ما يمكن أن يجيب على تناقضات تصريحات مسؤولي الحكومة القطرية الذين يقولون عند مخاطبتهم الشعب القطري: إن المقاطعة لم تؤثر عليهم وجميع السلع متوافرة والأمور تسير بشكل طبيعي وعندما يخاطبون المجتمع الدولي يقولون: إنهم يتعرضون لحصار وقد أثر على المواطنين والاقتصاد بأضرار كبيرة وهو ما يوضح التناقض في بياناتهم وتصريحاتهم، التي توضحها وتجيب عليها أسواق النفط والغاز بشكل دقيق إضافة إلى توفر السلع في قطر وطرق إمدادها لهم.
فقطر تعد أحد أكبر منتجي ومصدري الغاز في العالم وهي تمد أسواق العالم بنحو 30 في المائة من الغاز المسال يوميًا، فاذا كان ما تتعرض له قطر حصارًا فسيظهر أثره بنقص الإمدادات وارتفاع بأسعار الغاز وبنسب كبيرة جدًا خصوصًا أن 75 في المائة من الغاز القطري يصدر لأكبر الدول الصناعية من أهمها اليابان وكوريا الجنوبية فلو كان هناك نقص بإمدادات الغاز القطري لهم لأعلنت تلك الدول فورًا وهو ما لم نسمعه أبدًا بعد مرور ثلاثة أشهر من المقاطعة إضافة إلى أن أسعار الغاز شهدت ارتفاعًا بسيطًا ولفترة قصيرة جدًا ببداية الأزمة كردة فعل طبيعية وبنسبة 2.4 في المائة ثم عادت لتستقر عند نفس مستويات ما قبل نشوب الأزمة مع قطر لأن الإمدادات لم تتأثر، وما يؤكد ذلك ما صرح به عديد ممن يعدون أكبر عملائها باستيراد الغاز القطري حيث ذكرت شركة «جيرا اليابانية» أكبر مستورد للغاز باليابان أن إمدادات الغاز القطري لم تتأثر بالأزمة وتصلهم بمواعيدها وبنفس الكميات المتفق عليها وذكر ذلك أيضًا أحد كبار المسؤولين بشركة إكسون موبيل الشريك بأحد أكبر مشروعات الغاز بقطر بأن الصادرات لم تتأثر ويضاف لذلك ما قاله أحد كبار التنفيذيين بشركة «شل» حيث ذكر بمؤتمر للطاقة عقد بتركيا قبل أسابيع بأن إمدادات الغاز القطري لم تتأثر بالأزمة، إلا أن أهم تأكيد، جاء على لسان وزير الطاقة القطري بأن صادرات قطر من الغاز لم تتأثر بالأزمة، وينطبق كل ما ذكر على صادرات النفط القطرية التي تفوق 580 ألف برميل يوميًا فلم تعلن أسواق النفط عن أي نقص بالإمدادات نتيجة أزمة قطر فصادراتها النفطية كما هي لم تنخفض، فلو كان الحصار قائمًا على قطر فستنخفض الصادرات من النفط والغاز وهو ما سيؤدي لارتفاع الأسعار فعلى سبيل المثال متوسط سعر برميل النفط منذ بداية العام حتى وقتنا الحالي حول 50 دولارًا أي نفس المستويات ما قبل وبعد الأزمة مع قطر، فأسواق الطاقة تمتلك حساسية عالية من أي أخبار إيجابية أو سلبية ويظهر الأثر ويتم تقييمه مباشرة وينعكس بالأسعار فورًا وهو ما لم يحدث أبدًا مما يؤكد أن شحنات صادرات النفط والغاز القطري لم تنخفض ولم تواجه الناقلات أي صعوبات في طريقها من وإلى الموانئ القطرية فعن أي حصار يتحدث القطريون والحقيقة واضحة للعيان بأسواق النفط والغاز التي لم يشتك فيها أحد من أي نقص بإمدادات قطر ولم تحلق الأسعار عاليًا رغم مرور ثلاثة أشهر على الأزمة.
أما ما يعزز من ضعف ادعاء مسؤولي الحكومة بقطر أن ما يتعرضون له حصار، فهو سرعة تعويض توقف الاستيراد والتصدير بين قطر والدول الأربع فأسواق قطر مليئة بالبضائع والسلع من تركيا وإيران وغيرهما ممن اتجهت لهم قطر لتعويض ما كانت تستورده من الدول الأربع خصوصًا السعودية والإمارات، فمن أين وصلت هذه السلع أليس من موانئ قطر وأيضًا عبر النقل الجوي فلو كان الحصار قائمًا لأعلن عن صعوبات بإيصال تلك السلع من قبل قطر ومن يصدر لها أيضًا فلم نسمع أي خبر من تركيا أو أي دولة تصدر لقطر عن صعوبات تمنع وصول صادرتهم للسوق القطرية، بل إن مسؤولين قطريين أكَّدوا أنهم بادروا بالحلول فورًا لتعويض ما توقف من واردات كانت تأتي بتكاليف منخفضة من السوقين السعودي والإماراتي لقطر نتيجة القرب الجغرافي وانخفاض تكلفة النقل وكذلك أسعار السلع فالاختلاف الوحيد أن التكلفة زادت على قطر وهو أمر طبيعي بسبب عاملين الأول ارتفاع تكلفة النقل والآخر احتمال استغلال التجار من تلك الدول لازمة قطر فرفعوا الأسعار عليها، إلا أن الصورة التي تؤكدها هذه الحقائق تبين أن ما تتعرض له قطر هو مقاطعة فقط وليس حصارًا كما تدعي.
الفرق شاسع بين مقاطعة وحصار وأسواق الطاقة العالمية أعطت إجابتها وبينت أن صادرات النفط والغاز القطري لم يتأثرا من حيث الكميات والوجهات من خلال استقرار الأسعار عند مستويات ما قبل الأزمة ويضاف كذلك تدفق السلع بمختلف أنواعها لأسواقها من دول عديدة وهو ما ينفي تمامًا وقوعها تحت حصار ويضعف حجتها بهذا الادعاء.