د. أحمد الفراج
الآن، وبعد أن تكشفت كل الأوراق، وتم القبض على خلية كانت تعمل لصالح دولة أجنبية، حسب بيان جهاز أمن الدولة الموقر، فإن المواطن تنفس الصعداء، لأن المقبوض عليهم كانوا من ألد خصوم دولتنا، دولة الأمن والاستقرار، وكان أفراد خلية التجسس قد استطاعوا النفاذ إلى شرائح واسعة من الناس، وذلك لأنهم كانوا يتلبسون بالدين، واستطاعوا من خلال هذا التلبس أن يسيطروا على قطاعات واسعة، اذ تغلغلوا في كثير من مفاصل الدولة، كما سيطروا على النشاط الوعظي والجمعيات الخيرية، وهي مجالات واسعة للحشد والتجييش ضد الدولة، وللكسب المادي، وهذا ما يفسر الثراء الفاحش لوعاظ ما يسمى بالصحوة، ولعل هذا التأثير القوي والتغلغل لهؤلاء الحزبيين هو الذي أغرى دولة قطر لاستقطابهم ودعمهم، لأن حلم نظام الحمدين كان، ولا يزال، زعزعة أمن هذا الوطن، وتدمير استقراره.
منذ سنوات طويلة، وأعلامنا الوطني، ممثلا بالكتّاب والمثقفين الوطنيين، يكتب عن خطورة الحزبيين، ويتابع نشاطاتهم المشبوهة، وحربهم الشعواء على كل قرار تنموي تصدره الدولة، وكنا نتابع رحلاتهم التي لا تتوقف إلى قطر، وتخصصهم بمدحها، ومدح حكامها، في الوقت الذي يسقطون فيه على بلدهم، ويلمزون بحكامه وبمسؤوليه ومثقفيه، وكنا على شبه يقين بأنهم مجندون من قبل هذا النظام، ليمارسوا أدوارا مشبوهة مقابل المال الوفير، وكانوا هم من الغباء بحيث غاب عنهم أن لدى المملكة واحداً من أقوى الأجهزة الأمنية، والذي كان يتابع ويرصد ويوثق كل شيء، وبالتالي لم نستغرب وقوع هذه الخلايا في شر أعمالها، والتي كانت فضيحتها مدوية، وسقوطها مروعاً، منذ إعلان مقاطعة قطر، وصمتها المطبق، بل ووقوفها مع النظام القطري !.
ليس هناك أسوأ من أن يتم استخدام الدين النقي لأغراض دنيوية رخيصة، وهذا ما تتميز به حركات الإسلام السياسي، ولعل سقوط هذه الخلية، يكون الدرس، الذي يوقظ أبناء المملكة الطيبين، الذين يخدعهم كل من تمظهر بالدين شكليا، لأن الحزبيين يستخدمون هؤلاء البسطاء وقودا لمشاريعهم، سواء عن طريق تجنيد أبنائهم وإرسالهم لبؤر الصراع حول العالم، أو عن طريق حلب أموالهم باسم العمل الخيري، ومع يقيني أنه من الصعب اقناع انسان بسيط بأن الشكل الظاهري ليس كافيا للتدين الحقيقي، إلا أن سقوط أفراد هذه الخلية، وتزامنه مع مقاطعة قطر، الدولة التي سعت لهز هذا الكيان الشامخ، وموقف أفراد هذه الخلية من هذه الدولة، يجعلني متفائلا بزوال الغشاوة عن عيون هؤلاء البسطاء، الذين خدعهم الحزبيون طويلا، ولكن تبقى المعضلة في ما يطلق عليها جماعة «ولكن»، أي أصحاب المواقف الرمادية، الذين يتلبسون بالوطنية، وهم في حقيقتهم لا يقلون خطرا عن الحزبيين، وهذه الفئة العجيبة تحتاج إلى مقال مستقل للحديث عنها وعن خطرها.