م. خالد إبراهيم الحجي
إن الوجود الروسي في سوريا حظي بنصيب الأسد من اهتمام كثير من الكتاب البارزين المرموقين؛ فكتبوا عنه المقالات الصحفية والتحليلات الموضوعية والنقدية العميقة، مع وجود مساحةٍ ضئيلةٍ جداً من الاهتمام عن علاقة روسيا مع الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. وهذا الفارق الكبير قد أغفل إستراتيجية روسيا الشاملة في إقليم الشرق الأوسط، ولم يعطها حقها من التحليل والنقد رغم احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا شرق أوروبا عام (1914م)، تواجدها العسكري في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط ومساندتها القوية لإيران في برنامجها النووي، وتأييدها لإيران في تدخلها ودعمها لبعض الدول الأخرى مثل لبنان والعراق واليمن. ولتحديد الأهداف الإستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط لابد من التعرف على طبيعة تعامل روسيا وعلاقاتها المختلفة مع دول الخليج العربي خاصة، وإقليم الشرق الأوسط عامة. والتعرف على طريقتها في الحفاظ على مصالحها الشاملة، وكيفية حمايتها من خلال الأفعال التالية على أرض الواقع:
(1): محاولة استعادة مكانتها السابقة كقوة عظمى موازية لأمريكا في التأثير الدبلوماسي والسياسي والعسكري في العالم عن طريق ترويجها وتسويقها لقدرتها على التفاعل مع دول الشرق الأوسط.
(2): إقامة علاقات اقتصادية ودبلوماسية وسياسية وعسكرية متعددة الأوجه، ببذل الجهود المتضافرة لتصبح مُصَدِّراً رئيسياً للسلاح إلى دول الخليج العربي وباقي دول أقليم الشرق الأوسط.
(3): اتخاذ الشرق الأوسط ميداناً مناسباً لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وعسكرية، وإقامة قواعد عسكرية وبحرية لمواجهة الدرع الصاروخية لحلف الناتو في أوروبا.
(4): حماية مصالحها الاقتصادية في أوروبا بمنع استخدام الموانئ السورية لتصدير النفط والغاز الخليجي أو مزيج الطاقة (نفط + غاز) إلى الأسواق الأوروبية عن طريق مد خطوط أنابيب من منابع النفط والغاز في الخليج العربي إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط. على غرار خط أنابيب التابلاين الذي أمر ببنائه الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - من بقيق في السعودية إلى حيفاء في فلسطين، ولكن نشوء دولة إسرائيل عام (1948م) أدى إلى تعديل مسار الخط لتكون نهايته في صيدا بلبنان. وقد استمر ضخ النفط منه بالفعل لمدة (17) عاماً متصلة من عام (1950م) إلى أن توقف عام (1967م) بعد احتلال إسرائيل لهضبة الجولان التي يمر الخط من خلالها.
(5): إقامة القواعد العسكرية والبحرية في سوريا، واحتلال شبه جزيرة القرم الأوكرانيا وإقامة قواعد عسكرية وبحرية فيها، لتشكيل طوق (كماشة) يواجه تكتل الاتحاد الأوروبي من شبه جزيرة القرم على سواحل البحر الأسود شمالاً إلى سوريا على سواحل البحر الأبيض المتوسط جنوباً.
(6): حماية خطوط أنابيب الغاز الروسي باحتلال روسيا العسكري لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا الذي يوفر (40) في المئة من احتياجات أوروبا من الغاز لتوليد الطاقة الكهربائية، فدفع الاتحاد الأوروبي إلى إطلاق مبادرته الجادة نحو إنتاج الكهرباء باستخدام مزيج الطاقة (نفط + غاز) لعدم الاعتماد الكلي على أحدهما إضافة إلى الطاقة الذرية والطاقة المتجددة.
من المؤكد إن روسيا ترصد باستمرار سرعة التغييرات الجذرية في المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية على خارطة الشرق الأوسط، وتدرك الآن أهمية العلاقات الثنائية المبنية على المعايير الدبلوماسية الواضحة والأهداف السياسية المعتدلة. لذلك تسعى بكل جدية إلى التقارب مع المملكة العربية السعودية، وتعزيز أواصر التعاون معها لتحقيق المصالح الثنائية المشتركة.
الخلاصة:
إن روسيا تسعى لتحسين علاقاتها الثنائية في الشرق الأوسط من خلال تصحيح إستراتيجيتها، والغالب أنها تنشد العلاقة المثالية مع المملكة.