خالد بن حمد المالك
الحياة حبلى بآلاف القصص التاريخية المثيرة، تتفاوت أهميتها من حدث لآخر، بحسب التأثير، والنتائج، وقيمة المنجز، بعضها يتكرر استحضارها، ويستفاد منها، وتكون هناك محاولات لمحاكاتها، وتجربتها، بأمل الوصول إلى ذات النتائج، وتحقيق تلك الأهداف، وإعطاء أبلغ الدروس والعبر عن بطولة هذا الفارس أو ذاك.
* *
مثل هذه المنجزات تبقى خالدة ولا تموت، في ذواكرنا نحتفظ بها، ونمنحها من حبنا وتقديرنا ما يليق بها، ونكثر من معرفة التفاصيل عنها، نعلِّمها ونتعلَّم منها، وتكون جزءاً من الدرس اليومي لها، دون أن نملَّ منها، أو نشعر بالتشبُّع من تكرار قراءاتنا عنها، بل إن كلَّاً منا يبحث عن مصادر جديدة لتلبية شغف القراءة عنده عن هذه الأحداث الخالدة.
* *
غداً هو اليوم الوطني للمملكة، نحتفل به في كل عام، بالتأمل، والإعجاب، ومعرفة تفاصيل ما حدث، للوصول إلى قصة المجد التي سارت أحداثها تروي لنا عن أسرار وخفايا توحيد المملكة، وقيام المملكة العربية السعودية في أقصى جنوب غربي قارة آسيا، بمساحة نحو مليوني كيلو متر مربع، أي بما يغطي 70% من مساحة شبه الجزيرة العربية البالغة نحو 3 ملايين كيلو متر مربع، في دولة واحدة لا دويلات صغيرة كانت تثير القلق والخوف قبل أن يقود الملك الموحِّد عبد العزيز رجاله من أجل ولادة هذه الدولة الفتية، بما لا مجال لمقارنتها بأي دولة أخرى.
* *
لا توجد وحدة في العصر الحديث تحققت كما هي الوحدة التي تحققت بقيادة الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، ولا توجد بطولة وشجاعة وإقدام وفروسية اتصف بها زعيم كما كانت هذه بعض صفات الملك عبد العزيز، هكذا التاريخ يروي لنا، ويتحدث لكلِّ منا، وينشر تفاصيل معاركه الضاربة حتى آل إليه الحكم والسيطرة الكاملة على ما أُطلق عليه فيما بعد المملكة العربية السعودية.
* *
الشاهد في معارك الملك عبد العزيز وبطولاته، أنه قاد في مواجهته لخصومه عدداً محدوداً من الرجال، وبأسلحة متواضعة، لكن كان سلاحه الأمضى والأقوى الإيمان بالله، والثقة برجاله، والإصرار على تحقيق هدفه، والشجاعة التي لا حدود لها، واستيعاب أهدافه المرسومة، ومعرفة الطريق للوصول إلى تحقيقها، ضمن استراتيجية عسكرية من ابتكاراته وخططه، حتى أنها من فرط إعجاب وتقدير العسكريين أصبحت تُدَرَّس في الكليات والمعاهد العسكرية للطلاب.
* *
يمر بنا اليوم بأحداثه وقصصه الجديدة، بالمتغيرات والمستجدات، وبالفارق بين ما كان في الأمس وما يجري الآن، لكن لا يمكن أن يغيب وجه عبد العزيز، ولا يمكن أن ننسى عبقريته، ومن الوفاء أن نحتفظ له بكل هذه المساحة الواسعة من الحب، ولولا الله ثم عبد العزيز، لما كانت المملكة بهذه القوة، والاستقرار، والاتساع، والتطور الهائل، فهو الأب الروحي لكل هذه الإنجازات، وسوف يبقى اسمه مرتبطاً بكل منجز جديد يتحقق لاحقاً.
* *
ما بعد عبد العزيز إنجازات تتحدث عنها المشاهد على الأرض، بدءاً من عهد الملك سعود مروراً بعهود الملوك فيصل وخالد وفهد وعبد الله، ثم الملك سلمان، وما كان لهؤلاء الملوك - رحمهم الله جميعاً - وأبقى سلمان ذخراً - أن يحققوا ما حققوه لولا ما زرعه الملك عبد العزيز، ولولا الولاء الذي يمنحه المواطن السعودي لملوكه، فهم الضمانة لبقاء المملكة قوية ومتطورة وذات شأن كبير، بإخلاصهم وتجاوبهم مع كل عمل وفكر يرسِّخ هذه القوة، ويجعل من دولتنا تسير بهذه الخطى دون خوف أو تردد أو تراجع.
* *
هذا بعض ما يمكن أن أقوله عن هذه الذكرى الخالدة، فالعمل الذي تم ويتم أكبر من كل الكلمات، وأهم من كل قول يقال، إنه قصة ملك مع شعب وأرض، بلغ ما بلغه بسيف الحب، وصوت الحب، والعمل الدائم بحب، كل عام وأنتم وبلادنا بخير.