أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: تحدث الدكتورُ حبيب بكلِّ مرارةٍ عن الْـمُتَغَيِّراتِ فيما بين الكواكبي والعظمة.. إلى المالكي.. إلى الأتاسي.. إلى إلى... إلخ؛ وهذا نص استفتاحه: ((على امتداد أربعة عقود ونصف[عقدٍ] عجافٍ مرَّت من عُمُرِ وطننا: يطالِعنا نظامُ الاستبداد والقهر والتخلف الحاكمِ في دمشق بتكرار تذكيرِنا نحن السوريين بما يسميه بالحركة التَّصحيحيَّة.. والواقع أنَّ هذا الحدث (الذي يُمثِّل في حقيقته ونتائجه أبشعَ صورِ مكرِ التاريخ بالنسبة لِمسارِ عمليةِ التحرر الوطني والاجتماعي للشعب السوري): قد غدا مع الأيام أشبهَ ما يكون بنوعٍ من الملهاة المأساة التي يرمي تكرارُ التذكير المبتذل بها محاولةَ غسلِ أدمغة مواطنينا، وإفهامَ شعبنا: أنْ لا خيارَ أمامه سوى القبول والرضى بحياة الإذعان والاستكانة والخنوع لنظامٍ عَمِلَ على تدمير كلِّ عناصر ومقومات الوطنية السورية، وعطَّلَ [الأنسبُ للسياق: وعلى تَعطيلِ] دور سورية الريادي تجاه القضايا المركزيةِ لِأُمَّتها، وتجاه إسهامها في مجرى التطور الحضاري الإنساني الكوني الشامل.. وبعيداً عن أية [الصواب (أيِّ)؛ لأن المرادَ نَفْيُ كلِّ نظرةٍ، وليس المرادُ عن نظرةٍ بعينها] نظرة ذاتية أو حزبية أو فئوية في تقييم طبيعة هذه الحركة وما جَرَّتْه على المجتمع السوري، وعلى قضايا الأمة عامة من أسواءٍ وكوارِثَ: فإنَّ أصدق حكْمٍ موضوعي على ذلك هو ما تشهد به معطيات الواقع الراهن؛ فهذه الحركة لم توفِّرْ منذ يومها الأول أية [الصوابُ: (أيَّ؛ لأنَّ المرادَ كما أسلفتُ نَفْيُ كلِّ مناسبةِ؛ وليس المرادُ السؤالَ عن مناسبةٍ معيَّنةٍ] مناسبة إلا وكانت تَعْمَد فيها لاجترار شعاراتِها الْـخُلُقِيَّة المضللة التي ادعت أنَّـها جاءت من أجل تحقيقها؛ بينما كانت ممارساتها على أرض الواقع مناقضةَ لذلك تماماً.. من بين تلك الشعاراتِ: تأمينُ وصيانة حرية المواطن وكرامته وحقوقه، والقضاءُ على الفساد والاستغلال والرشوة، واحترامُ حرية الرأي والضمير، وضمانةُ نزاهةِ وعدالة واستقلالية القضاء.. ومن جانب آخر دعْمُ المقاومة الفلسطينية، وتحريرُ الأرض المحتلة، وتعزيزُ التضامن والعمل العربي المشترك، والسيرُ قِدَماً في طريق الوحدة العربية و.. و… إلى آخر تلك المعزوفةِ التي اعتاد عليها إعلامُ النظام حتى وقتٍ قريب دون أيِّ وازع أو تهيُّبٍ أخلاقي أو مِهَنِيٍّ!!!)).
قال أبو عبدالرحمن: أَعِدُ إنْ شاءَ الله تعالى بالتعريف الموجز بالوجوه التي تقود المتغيِّراتِ الآثمةَ، وتَرُوْثُ على مبادئ الأمَّةِ؛ وحَسْبي الآن تعميقُ ما ذكره الدكتور حدَّاد، وتبيانُ ما لَـمْ يَذْكُرْهُ؛ فما ذكَره آنفاً الاستبدادُ والقهرُ من الحاكم في دمشق؛ وهو إنما أدْرك حافظ الجحش، وابنَه بشَّارَ الجحش؛ وليس في مشاعِرِ الحداد الطَّمأْنينَةُ والاستمتاعُ بحكم شرعِ الله في عباد الله؛ وإنما يوجد كل هذا عند فئتين: الفئةُ الأولى أَقَلِّيَّةٌ مِن المتحرِّينَ مذهبَ السلف الصالح.. هم أقليةٌ في مثل مصر وبقيةِ البلدان العربيةِ والإسلامية؛ وهم أكْثَرِيَّةٌ في مثل المملكة العربية والإسلامية، ولم ينفصلْ سلوكُهمْ عن دينهم إلا ما كان عند بعضهم من سلوكٍ لا يُخرجُهم مِن الْـمِلَّةِ، وإنما يُخاف على المسيىءِ العقاب إن عذَّبه ربه فألقاه في النار وليس من أهلِها ما لمْ تكن توبَةُ نصوح خالصةٌ لوجه الله، أو لَـمَمٌ؛ فإن الله ضامِنٌ عَفْوَه ومغفرتَه.. وأما البقيَّةُ ذوو الصلاحِ فليس بيدهم إلَّا الدعوةُ بالتي هي أحسن، ومناصحتُهم ولاةَ أمرِهم، وقيامُم معهم، ومعذرتُهم على القصورِ، والشِّدةِ معهم في النُّصْحِ حال التقصيرِ ما داموا قادرين، وقد عاملهم الله بلطفِه في أَشَدِّ الأزمات؛ لما يتعهدونه من الصيامِ والصلواتِ في وقتها جماعة مع المسلمين، والبذلِ في وجوه البِرِّ كإقامة مدارسِ تحفيظ القرآن، والتوسعةِ على المحتاجين الذين تُصْرَفُ لهم الزكاة الواجبة والصدقةُ المستحبة.. وهكذا كثرةُ الاستغفار مع وجود الخطيئة، وقد شكا بعض الصحابة رضي الله عنهم عودتهم إلى ما استغفروا الله عنه؛ فأمرهم بالاستغفار أيضاً؛ فقالوا: (إذن نُكْثرُ)؛ فقال: (الله أكثر)؛ أي أكْثرُ مفغرةً؛ وذلك أن عفو الله أوْسَعُ.. والفئة الثانية المنادون إلى اِتِّباعِ شرعِ الله ولكن برعونةٍ واستسهالٍ في تكفير عامَّةِ الأمَّة، وهم الأكثرية من الإخوانِيّْيِن في مصر وتونس.. إلخ، مع غَلَبةِ التصَوُّفِ والتغيير.. ومشاعِرُ الحداد مُتْرَعَةٌ بالاستمتاعِ بِحرَّيةِ الديمقراطية ذات العبوديةِ للشهوات والشبهات بحماسٍ شديد ليس فيه الحنينُ إلى حُرِّيةِ شرعِ الله في حكمه عبادَ الله.. والذي مُنِـيَ به مما ذكره وهو أليمٌ جداً: ليس كمثْلِ ما نعيشه اليوم؛ فبشار الجحش اليوم صارَ يَضْرِبُ برمحِ غيره؛ فدعا قُوَى الشَّرِّ من كلِّ الآفاق؛ لتتقاسم سوريا المنكوة، ثم يكون الانطلاق إلى تقاسم البلدان العربية والإسلامية، والله غالب على أمر عباده، ضامِنٌ وهو نعم الوكيل الكفيل أن لا يمتدَّ سلطانُ الأعداءِ إلى الأبد؛ فالله يُرِيْ عبادَه ليعتبروا، ويعفو عن قريب؛ فأهل سوريا الآن أصبحوا لا يحكمون أنفسهم بأيِّ أيدلوجية؛ إذ غلب على كثيرٍ فتنةُ الديمقراطية؛ وبقي المجاهدون منهم في بلاءٍ شديد: إمَّا الحياةُ الشريفةُ، وإما الموتُ في سبيل الله.. وإلى لقاءٍ في السبتِ القادِم إنْ شاء الله تعالى, والله المُستعانُ.