المتأمل في حال الأمم على مدار التاريخ يجد أن الإنسان بفطرته وطبعه يحب وطنه، يحب بلده يدافع عنها، يعتز بها، يتلذذ في العيش فيها، وديننا يقر ذلك، فقدوة الناس جميعاً محمد -صلى الله عليه وسلم- يروى عنه -صلى الله عليه وسلم-، لما أخرجه قومه حانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم التفاتة، وقال بأبي وأمي والله إنك أحب البلاد إليّ، ولولا أن أهلي أخرجوني منك ما خرجت، هذا دليل على أن حب الوطن فطري وله أصل في الشرع، ووطننا المملكة العربية السعودية ليست كسائر الأوطان، إنها مهبط الوحي وقبلة المسلمين، إنها بلد الحرمين الشريفين اللذين تشد إليهما الرحال، إنها بلد نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
حب وطننا دين، وحب وطننا فخار وعز ومجد ومكانة هذا الوطن الذي شرف بجمع وحدته على يدي جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه وغفر الله له وأسكنه فسيح جناته-، جمع وحدته على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، جمع وحدته على تحكيم شرعه.
العدل بين شعبه وحدّته على إعلاء شأن الدين، وعلى الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، جمعه ووحده على حماية جناب التوحيد، ومحاربة البدع، والأمر بالمعروف والنهي المنكر، وبقي هذا الوطن على ثوابته حتى هذا العهد عهد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز.
ويحل علينا اليوم الوطني السابع والثمانون، ومن باب ولئن شكرتم لأزيدنكم، وقوله وأما بنعمة ربك فحدث لابد من وقفات..
الأولى نعمة وحدة الأمة، واجتماع كلمتها واتفاقها على ما يحقق الأمن ويحافظ على المكتسبات، هذه أمور يجب على من يعيشها أن يحمد الله ويشكره، وبالشكر تدوم النعم.
ثانياً بعد تذكر هذه النعم علينا أن ننظر بعين الإنصاف والعدل إلى الإنجازات الحضارية في أمور كثيرة، الإنجاز العمراني في المدن والمحافظات والقرى والهجر، وبمستويات عالية، سواء في المدن الكبيرة أو غيرها، البنية التحتية من كهرباء وصرف صحي ومياه وتعليم وجامعات وارتفاع مستوى التعليم والمستوى الصحي، والنمو الاقتصادي وتوفر السلع، والتغير في المستوى الاجتماعي والمعرفي، ويحيط ذلك أمن وارف وانخفاض في مستوى الجريمة.
ثالثاً أي تطور ونمو إذا لم يكن هناك منظومة عدلية لفض النزاعات ولتوثيق حقوق الناس فإن ذلك يعتبر معيقاً لأي تطور ومحاظه على أي منجز ولهذا فإن المتابع للتطور القضائي وفي شقيه الإجرائي والموضوعي يجد وبإنصاف أن قضاءنا
وجهازنا التوثيقي تطور تطورا كبيرا ويشهد بذلك التخصص للمحاكم، الأمر الذي سهل العملية القضائية وساعد على سرعة الإنجاز ويشهد بذلك الإحصاءات الموثقة، ومما يفخر به الوطن، خاصة المتابعين للشأن القضائي سواسية الناس أمام القضاء
ونلمس ذلك في مخرجات المحاكم، أما قضاء التنفيذ والقضاء العادل فهو أهم ركائز الوطن.
اليوم الوطني نعيشه في كل يوم لكن عندما يحين فهي فرصة لشكر المنعم سبحانه وتعالى، وشكر بعد شكر لولاة أمرنا ولكل من يعمل بإخلاص لبناء الوطن والمحافظة على مكتسباته.
رابعاً في يوم الوطن نشيد برجالنا على الحدود الذين يدافعون عن وطنهم ويسترخصون دماءهم في سبيل الله لأنهم يجاهدون في يوم الوطن، نتذكر رجال أمننا الساهرين في الحفاظ على أمننا وسلامة مجتمعنا من العابثين والمفسدين، في يوم الوطن نتذكر شهداءنا الأبطال وندعو الله أن يقبلهم عنده من الشهداء وأن يرفع منزلتهم في جنات عدن، في يوم الوطن نتذكر رجالا عظماء ساهموا في بناء هذا الوطن، وندعو الله أن يغفر لهم ويرحمهم، وبعد: هذا المنجز العظيم، هذه الوحدة الوطنية أمانة في أعناقنا، يجب علينا المحافظة عليها، ويجب على كل واحد منا رجلا كان أو امرأة، صغيراً أو كبيراً أن يحافظ عليه ولا يسمح أو يسمع لدعاة الفتنة والفساد الذين يحاولون ويسعون لتقويض هذا البناء العظيم مهما ارجفوا أو شككوا أو دعوا لفتنة.. والله الهادي إلى سواء السبيل.
** **
بقلم/ الشيخ عبدالعزيز الحميد - رئيس محكمة الإستئناف بمنطقة الرياض