تحتفي القلوب بيوم الوطن، وتشكر الله تعالى الذي أعز الله فيه شريعته الغراء، وامتنَّ عليه بقيادة رشيدة، وأسبغ عليه فضله وأمنه، وصانه وحفظه من شرور البغاة والمعتدين.. إنه يوم تاريخي مشهود، سيبقى أثره المبارك منقوشًا في ذاكرة الأفئدة، وسجلات المجد، مدونًا بمداد من تضحيات على صحائف رسمت مرحلة جديدة من التنمية الشاملة لوطن الحرمين الشريفين؛ فمنذ ارتفعت راية التوحيد خفاقة على ربوع هذه البلاد الغالية بيد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - سرت قوافل العلم محفوفة بالرعاية والدعم من لدن ولاة الأمر؛ لينبثق ضياء المعرفة في كل الأرجاء، ويشع نور العلم في كل مدينة وقرية وبيت.. وما هذه المدن التعليمية والصروح الجامعية ومراكز البحوث وآلاف المدارس إلا شواهد ناصعة على عناية القيادة الرشيدة ببناء المواطن، وتكوينه بهدي العلم ونور المعرفة إيمانًا بأن منجزات الوطن التنموية لا يصنعها إلا أبناؤه وبناته الأوفياء.
وبفضل من الله تعالى، ومنذ انبثاق شمس جامعة الملك فيصل عام 1395هـ ـ 1975م، مرت أكثر من أربعة عقود مضيئة برعاية ودعم ولاة الأمر مكللة باهتمامهم الكبير بأبنائهم وبناتهم أجيال الوطن الواعدة، حتى توجت أخيرًا بتشريف مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - الجامعة بتدشين مدينتها الجامعية مدينة للعلم في واحة الأحساء.
وتضم هذه المدينة العلمية المتكاملة خمس عشرة كلية، تقدم (110) برامج تعليمية لمرحلتَي الدبلوم والبكالوريوس، و(35) برنامجًا في الدراسات العليا، كما تضم محطة للبحث والتدريب الزراعي والبيطري، ومستشفى تعليميًّا بيطريًّا، وثمانية مراكز بحثية متخصصة في مجالات علمية وتطبيقية مختلفة. كما يبلغ عدد طلاب الجامعة المنتظمين أكثر من (40.000) طالب وطالبة في مرحلة البكالوريوس، ونحو (2000) طالب وطالبة في مرحلة الماجستير. ويتخرج من الجامعة سنويًّا ما يقرب من (4000) طالب وطالبة منتظمين، و(7000) طالب وطالبة منتسبين بدرجات علمية وتخصصات متعددة، يعمل على خدمتهم في الجامعة أكثر من (1600) موظف من الإداريين والفنيين، ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس نحو (2000) عضو من الجنسين؛ وهو ما يجعل جامعة الملك فيصل كبرى المؤسسات التعليمية وفي التنمية البشرية في المنطقة الشرقية، ومركزًا مهمًّا لكسب المعرفة وتطوير وتنمية المهارات المهنية والإدارية والقيادية.
وانطلاقًا من رؤية ورسالة الجامعة نحو الشراكة المجتمعية، والاهتمام بجميع الشرائح ذات الاحتياج في المجتمع، ممن حالت ظروفهم الخاصة دون تمكنهم من استكمال تعليمهم النظامي، ورغبوا في إتاحة فرصة التعليم والتطوير للحصول على الشهادات العلمية الجامعية، فقد سعت الجامعة إلى توفير أكثر من (8500) مقعد دراسي مجاني لعدد من مؤسسات المجتمع المحلي، وذلك من خلال توقيع عدد من الاتفاقيات النوعية مع بعض الجهات المجتمعية؛ إذ كان من أهم بنود تلك الاتفاقيات توفير مقاعد دراسية مجانية للعاملين والمستفيدين من خدمات تلك الجهات، شملت منسوبي وزارة التعليم، ووزارة الداخلية، وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقطاعات الشؤون الاجتماعية، والجمعيات الخيرية.
وفي يوم الوطن العزيز السعادة تغمر أبناءنا الطلاب وبناتنا الطالبات.. فمداد شكرهم لا تحصيه الأحرف والكلمات، إنها مشاعر متدفقة من روح انتمائهم وولائهم لقيادتهم ووطنهم، وشعورهم بالفخر والاعتزاز بعقيدتهم، وبتاريخ وطنهم وأمجاده، وابتهاجهم الكبير بمدينتهم الجامعية؛ إذ يبنى في أروقتها مستقبلهم، وترسم فيها ملامح طموحاتهم، وينعمون في مبانيها بحياة تعليمية تتوافر في أجوائها أحدث التجهيزات والتقنيات التي تتيح لهم فرص التميز المعرفي، والتفوق العلمي، وصناعة الموهبة.
وسيبقى منسوبو جامعة الملك فيصل من مسؤولين وهيئة تعليمية وإدارية وفنية وطلبة على العهد، يتنافسون في شرف خدمة هذا الوطن مستنيرين بتوجيهات قيادته الرشيدة، ومستلهمين من يومه المجيد وتضحياته الخالدة دروسًا في الولاء والانتماء، والتمسك بالوحدة، سائلين الله جل شأنه أن يحفظ لهذا الوطن العزيز إيمانه وأمنه، ويؤيد بعونه وتوفيقه حكومته الراشدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين -حفظهما الله تعالى -، وأن ينصر جنود الوطن البواسل على حدوده الأبية، ويتقبل بواسع رحمته شهداءهم الأبرار، ويشفي مصابيهم، إنه سميع مجيب.
... ... ...
د. محمد بن عبدالعزيز العوهلي - مدير جامعة الملك فيصل بالأحساء