المدينة المنورة - مروان قصاص:
يشهد العالم أن العناية بالحرمين الشريفين كان وما زال وسيبقى بمشيئة الله من صميم رسالة ملوك المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله، وحظيت المقدسات الإسلامية ببيت الله الحرام والمشاعر المقدسة بمكة المكرمة التي كرمها الله إذ جعل بيته الحرام فيها، والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة التي هي من أحب البقاع إلى الله، باهتمامات ملوك المملكة وامتد هذا الاهتمام ببيوت الله داخل البلاد وخارجها، والحرص على تشييدها وتوسعتها وصيانتها وإعمارها وتهيئتها للعبادة وهذه حقيقة ناصعة للجميع، وبمناسبة الذكرى السنوية لليوم الوطني المجيد تطرح «الجزيرة» أبرز ملامح التوسعة التي شهدتها أروقة الحرمين الشريفين منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز رحمه الله.
بذل سخي على المشروعات
فقد اعتنت الدولة السعودية المباركة على مر التاريخ بتوسعة الحرمين الشريفين وخدمتهما، بالبذل السخي على مشاريعها، فقد اهتم ملوك الدولة السعودية منذ عهد الملك المؤسس بخدمتها والقيام على رعايتها وتوسعتها، إذ بدأها الملك عبدالعزيز عام 1344هـ (1925م) بتوطين مصنع كسوة الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، وبدأت مشاريع التوسعة السعودية للحرمين الشريفين بعد تأسيس المملكة مباشرة، ففي عام 1354هـ (1935م) أمر الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بعمل ترميمات وتحسينات شاملة بالمسجد الحرام، وفي عام 1368هـ (1948م) أعلن عن عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف، بعد أن ضاق على المصلين فأضاف إليه مساحة إضافية لتزداد مساحته الكلية، ثم تواصلت جهود ملوك هذه البلاد الطاهرة في العناية بالحرمين الشريفين، فأضيفت للحرم المكي ساحة أخرى في عهد الملك سعود، وكانت تلك عمارة عظيمة لم يشهد الحرم المكي مثلها من قبل وفي عهد الملك فيصل يرحمه الله، أضيفت التوسعة الجديدة، كما أضيفت توسعة أخرى في عهد الملك خالد يرحمه الله والملك فهد والملك عبد الله والآن في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز رعاه الله.
وفي عهد الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود أمر رحمه الله بتركيب مضخة لرفع مياه زمزم في سنة 1373هـ وأنشأ بناية لسقيا زمزم أمام بئر زمزم واستبدال الشمعدانات الست بحجر إسماعيل عليه السلام بخمس نحاسية تضاء بالكهرباء وتبليط أرض المسعى بالإسمنت وفي الخامس من ربيع الأول سنة 1375هـ ألقى جلالة الملك سعود رحمه الله خطابه التاريخي بالشروع في توسعة المسجد الحرام التي أمر بها والده الملك عبد العزيز رحمه الله، وبدئ العمل في 4 ربيع الثاني عام 1375هـ ، وشملت التوسعة إزالة مبان كانت تضيق على المصلين والطائفين في صحن المطاف.
وعندما تولى الملك فيصل الحكم عام 1384هـ واصل رحمه الله إنجاز توسعة المسجد الحرام التي بدأت في عهد الملك سعود رحمه الله، والتي أمر بها أبوهما الملك عبد العزيز رحمه الله حيث تمت إزالة البناء القائم على مقام إبراهيم توسعة للطائفين، ووضع المقام في غطاء بلوري وبناء مبنى لمكتبة الحرم المكي الشريف ووجه ببناء مصنع كسوة الكعبة المشرفة في موقعه الجديد في أم الجود، وقام الملك خالد رحمه الله بإتمام ما تبقى من عمارة وتوسعة المسجد الحرام، حيث تم في عهده افتتاح مصنع الكسوة بعد تمام البناء والتأثيث، وتوسيع المطاف وفرش أرضيته برخام مقاوم للحرارة جلب من اليونان مما زاد من راحة المصلين والطائفين في الظهيرة ونقل المنبر والمكبرية، وتوسيع قبو زمزم، وجعل مدخله قريبًا من حافة المسجد القديم في جهة المسعى، وجعل فيه قسمان: قسم للرجال وقسم للنساء، وركبت صنابير لشرب الماء البارد، وجعل للبئر حاجز زجاجي ووجه رحمه الله بصنع باب الكعبة المشرفة، كما تم صنع باب للسلم الداخلي للكعبة الموصل إلى سطحها.
وهكذا نجد أن ملوك المملكة العربية السعودية يضطلعون بهذا التكليف والتشريف من منطلق شرف المسؤولية في خدمة الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة، وسوف تستمر مسيرة الخير على طريق الصلاح والنماء إن شاء الله تنشر نور الإيمان من هذه البقاع الطاهرة في سائر أرجاء المعمورة.
نبذة تاريخية عن الحرم المكي الشريف
قد مر المسجد الحرام بالعديد من جهود الخلفاء الراشدين وغيرهم لتوسعته وتطوير عمارته ففي عام 17 هجرية نفذ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول توسعة للمسجد الحرام كما أنه أول من جعل للمسجد جداراً وأناره بالمصابيح، وفي عام 26 هجرية أدخل الخليفة الراشد عثمان بن عفان توسعة أخرى على المسجد كما ساهم عدد من خلفاء بني أمية وخلفاء العصر العباسي في إحداث توسعة أخرى بالمسجد.
وقبل عامين دشن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، التوسعة الثالثة للمسجد الحرام بطاقة استيعابية تقدر بنحو مليوني مصل وبتكلفة بلغت مليارات الدولارات، والتي تتألف من 5 مشروعات تشمل مبنى التوسعة والساحات والأنفاق ومبنى الخدمات، والطريق الدائري الأول، ويتضمن المشروع إنشاء 78 باباً أوتوماتيكيا يتم إغلاقها بالتحكم عن بعد وتحيط بالحرم في الدور الأرضي فقط، ويضيف ثالث مشروع لتوسعة المسجد الحرام والعناصر المرتبطة به مساحة مقدارها الثلثين مقارنة بالمساحة السابقة للمسجد الحرام، ليؤكد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بذلك مواصلة ملوك هذه البلاد الاهتمام بالحرمين الشريفين ويضع بصمته بعد مسيرة ستة ملوك خلدت بصماتهم في عمارة وتوسعة وتطوير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة.
وكانت التوسعة السعودية الثانية عام 1389هـ وقد بلغت الإضافات التي تمت خلال هذه المشروعات حوالي (171.000) متر مربع وهو ما يعادل ستة أضعاف مساحة الرواق العثماني تقريبا، وخلال فترة تولي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز مهام الحكم في البلاد شهد المسجد الحرام مشروعات تجاوزت الحرمين إلى المناطق المحيطة بهما حيث اهتم رحمه الله بالمدينتين المقدستين وكان يوجه بالبذل السخي والإنفاق بكرم على مشاريع الحرمين، وفي شهر صفر من عام 1409هـ تم وضع حجر الأساس لتوسعة وعمارة المسجد الحرام وبدأت أعمال التوسعة في شهر جمادى الثانية من العام نفسه وقد تابع الملك فهد هذا المشروع من خلال تواجده بمكة المكرمة فترات عدة من كل عام خلال تنفيذه.
ثم جاءت توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز رحمه الله والتي تُعد أكبرها من حيث المساحة وسعتها لأعداد كبيرة من المصلين، وتُعد هذه التوسعة الثالثة للدولة السعودية بعد توسعة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن والملك فهد بن عبدالعزيز، وجاءت على مدى العصور التاريخية بعد توسعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قام بتحديد المسجد الحرام ببناء سور قدر القامة في السنة 17 للهجرة وبعد ثماني سنوات أحدث الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه توسعة أخرى زادت البيت الحرام مهابة ورفعة.
نبذة تاريخية عن المسجد النبوي الشريف
كانت مساحة المسجد النبوي الشريف في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حوالي (100× 100) ذراع حيث قام الرسول المصطفى بتشييد المسجد في العام الأول للهجرة وأدخل عليه زيادة أخرى في العام السابع للهجرة كما أدخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 17 هجرية زيادة أخرى لتصبح مساحة المسجد 120× 120 ذراعا، وفي عام 29 هجرية أدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه زيادة من الجهات الغربية والجنوبية والشمالية لتصبح أبعاد المسجد 170 × 130 ذراعا وتوالت زيادة الخلفاء في عهد الوليد بن عبد الملك في عام 88 هجرية والخليفة المهدي عام 165 هجرية وغيرهم حتى أصبحت مساحة المسجد حوالي 1293 مترا مربعا، كما شهد المسجد العديد من التوسعات في العصر العثماني لتصبح مساحته حوالي (303 ,10) متر مربع.
التوسعة السعودية للحرم النبوي الشريف
لقد بدأ مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله في تنفيذ أول توسعة للمسجد النبوي حيث أعلن عن عزمه على تنفيذ توسعة بالمسجد النبوي الشريف وذلك في يوم 12-8-1368هـ، وبعد استكمال التصاميم اللازمة قام سمو ولي العهد الأمير سعود بن عبد العزيز نيابة عن والده الملك عبد العزيز في ربيع الأول عام 1372هـ بوضع حجر الأساس لتبدأ التوسعة السعودية والتي أضافت مساحة تقدر بحوالي (6024) مترا مربعا لتصبح المساحة الكلية بعد هذه الزيادة حوالي (16327) مترا مربعا، وعدد الأروقة (14) رواقا وعدد الأبواب (10) أبواب، وعدد المآذن (4) بارتفاعات (50 , 47) و (60) و (72) مترا، وعدد الأعمدة الجديدة (706)، وعدد القباب (170)، وبلغ عدد المصابيح (2427) مصباحا وبلغ مجموع ما أنفق على هذا المشروع أكثر من خمسين مليون ريال.
ثم توالت أعمال التوسعة السعودية بإضافات جديدة في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله والذي أضاف مساحة جديدة على مرحلتين بلغت مساحتها حوالي (550 ,40) مترا مربعا وهي عبارة عن أرض خصصت بجوار المسجد وتم رصفها ونصبت فوقها مظلات وزودت بمكبرات الصوت والفرش والمراوح وذلك في عام 1393هـ، كما أضاف الملك خالد بن عبد العزيز يرحمه الله في عام 1397هـ مساحة أخرى على شكل مظلات بلغت مساحتها 43000 متر مربع.
ويعتبر مشروع الملك فهد لتوسعة وتجديد عمارة المسجد النبوي الشريف الأكبر والأضخم وقد تابع الملك فهد لسنوات عدة مراحل تصميم هذا المشروع حتى قام في يوم الجمعة الموافق 9-2-1405هـ بوضع حجر الأساس لهذا المشروع وقد بلغ إجمالي مساحة الدور التي تم نزع ملكيتها لصالح التوسعة حوالي (100) ألف متر مربع وقد بدئ التنفيذ في يوم السبت الموافق 17-1-1406هـ لهذا المشروع الذي بلغ خمسة أضعاف مساحة المسجد قبل التوسعة التي تم ربطها بالمبنى القديم. كما تم تطوير وتحديث المنطقة المركزية المحيطة بالمسجد النبوي الشريف التي تبلغ حوالي (120) هكتارا حتى تتناسب وعمارة المسجد النبوي، وبلغت مساحة المسجد النبوي الشريف (100) ألف متر مربع، ومساحة الساحات المحيطة بالمسجد النبوي (270) ألف متر مربع، ومساحة الشوارع الداخلية (380) ألف متر مربع، مساحة طريق الملك فيصل (180) ألف متر مربع، مساحة المجاورات الخمسة المحيطة بالمسجد (000 , 530 ,1) متر مربع ليصبح إجمالي المنطقة حوالي (000 , 460 , 2) متر مربع.
_ تقدر احتياجات المنطقة المركزية بعد استكمال أعمال التطوير من الطاقة الكهربائية بحوالي (600) ميجاوات/ ساعة وهي تماثل استهلاك المدينة المنورة حاليا، ومن المياه حوالي (75) ألف متر مكعب/ يوم، ومن الهاتف حوالي (50) ألف خط هاتفي، ومن الصرف الصحي (60) ألف متر مكعب/ يوم.
_ تقدر مواقف السيارات بحوالي (15) ألف موقف، (11) ألف محل تجاري، (23) ألف غرفة فندقية، (36) غرفة للسكن الموسمي، (17) ألف غرفة للسكن الدائم.
وقد شارك ملوك الدولة السعودية بمشاريع متنوعة لتوسعة وتجديد عمارة المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ثم بدئ بالتوسعة السعودية الأولى في المسجد النبوي في عهد الملك سعود عام 1375هـ وبلغت نفقاتها خمسين مليون ريال ثم جاءت توسعة الملك فيصل وضمت في هذه التوسعة مساحة كبيرة للمسجد النبوي من الجهة الغربية ووضع مظلات لزيادة السعة الاستيعابية للمسجد النبوي.
وفي عهد الملك خالد فقد جرت التوسعة الثالثة للمسجد النبوي حينما وقع حريق سوق الشونه في المنطقة الجنوبية الغربية من المسجد النبوي سنة 1397هـ، فأمر الملك خالد بشراء الدور والعقارات التي يحتاجها مشروع توسعة المسجد النبوي وضمت إلى ساحاته وظللت، وكانت مساحتها (43000) متر مربع، وزودت بجميع اللوازم التي يحتاج إليها لأداء الصلوات، وهيئت للصلاة على غرار المظلات السابقة.
وكانت مساحة المسجد النبوي الشريف قبل التوسعة الأولى (10303) متر مربع، فأصبح مجموع المساحة بعد التوسعات الثلاث (94000) متر مربع؛ ظلل منها (83500) متر مربع والباقي ساحات مكشوفة، وشوارع تمتد من الجنوب إلى الشمال حتى شارع الساحة، ومن جدار المسجد الغربي إلى المناخة. ومنذ تولي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم قام بزيارتين للمدينة المنورة وأكد رعاه الله على أهمية الحرص على متابعة العمل في مشروع التوسعة الكبرى للمسجد النبوي والمشروعات المرتبطة بها التي تصب جميعها في خدمة الإسلام والمسلمين من شتى أرجاء العالم، وكذلك خدمة أهالي مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وزوارها.
كما شاهد مجسمات ومخططات لمشروعات توسعة المسجد النبوي، ودرب السنة الذي يربط الحرم النبوي بمسجد قباء، وتوسعة مسجد قباء، إضافة إلى مشروع دار الهجرة الذي يضم 100 برج سكني وتجاري، ويستوعب 120 ألف نزيل، وما تشتمل عليه تلك المشروعات من شبكة للنقل وتفريغ الحشود، والكتل العمرانية في المخطط العام والمنطقة الشمالية الشرقية، والمشروعات السكنية والاستثمارية، إضافة إلى مخطط العيني المخصص للمواطنين الذين تم نزع عقاراتهم لصالح مشروعات التوسعة، والمركز الدولي للمؤتمرات بالمدينة المنورة. وتتواصل أعمال التوسعة في الحرمين الشريفين دون التأثير على الحشود القادمة في موسمي العمرة والحج.