«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
منذ أن أعلنت المملكة رؤية 2030 وهي تعيش حراكا طبيعيا غير مسبوق، وقد استهدفت هذه الرؤية إحداث تغييرات جذرية للوضع الاقتصادي والاجتماعي بالمملكة. كما تعتبر هذه الرؤية المراجعة الأولى المتكاملة لكافة الأنشطة والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية منذ بداية تأسيس المملكة.
وتستهدف رؤية 2030 في أول وأهم مواثيقها تقليص الاعتماد على المورد النفطي الأوحد في إيراداتها، أخذا بهدف التنمية المستدامة بعيدا عن فرضية نضوب النفط ونضوب الإيرادات. لذلك، فقد صنعت الرؤية العديد من الأنظمة والمناهج التي يأتي على رأسها منهج التوازن المالي، الذي يهدف إلى تعزيز الإدارة المالية وإعادة هيكلة الوضع المالي للمملكة واستحداث آليات مختلفة لمراجعة الإيرادات، والنفقات، والمشاريع المختلفة، وآلية اعتمادها.
ويهدف التوازن المالي إلى تحقيق العديد من الأهداف، من أبرزها: زيادة ونمو الإيرادات غير النفطية من خلال أدوات وإجراءات جديدة في قطاعات متعددة، العمل على تحسين الأداء الحكومي وضمان استدامة التوازن المالي، وتحفيز القطاع الخاص.
وبجانب هذه الأهداف، يسعى البرنامج إلى اتخاذ وتطبيق العديد من الأنظمة والإجراءات التي تسعى لتخفيف حدة الآثار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن البرامج الرئيسية لرؤية 2030 ككل، من خلال استهداف نظام الرعاية الاجتماعية للأسر الأكثر احتياجا ودعمهم على نحو فعال.
هدف كفاءة النفقات الحكومية
تم إنشاء مكتب ترشيد الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي كوحدة مستقلة تابعة لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ليلعب أدواراً استراتيجية تتمثل في ترشيد المشاريع الرأسمالية تحت التنفيذ بالجهات الحكومية، وتحسين كفاءة الإنفاق التشغيلي.
وتتوقع الرؤية تحقيق وفورات في الموازنة الحكومية بمئات المليارات سنويا، حيث إن متوسط الخفض في المرحلة الأولى بمتوسط 70 مليار ريال، وفر في الإنفاق التشغيلي، وحوالي 100 مليار ريال وفر في الأنفاق الرأسمالي.
هدف رفع مستوى
الإيرادات غير النفطية
تستهدف رؤية 2030 ترسيخ مبدأ التنويع الاقتصادي والخروج عن سيطرة المورد الأحفوري الأوحد من خلال عدة أدوات وإجراءات تصب جميعها في تنمية الإيرادات غير النفطية تقوم على تحسين النظام الضريبي وفرض ضرائب جديدة وتحصيل رسوم التأشيرات ورسوم الخدمات البلدية والقروية وتحصيل مقابل مالي على الوافدين.
فنظام الضرائب الحالي في المملكة يمثل إعفاء كاملا في حالات كثيرة، فحينما تتراوح ضريبة الدخل على الشركات من 17- 40 % في كثير من الدول، فلا تزال الشركات السعودية معفاة تماما من أي ضريبة على الأرباح، فضلا عن أن المملكة لا تفرض أي ضريبة دخل على المواطنين مقارنة بمتوسط ضريبة بنحو 25 % في الدول الأخرى وتصل إلى أكثر من 25 % في بعض الدول. أيضا تفرض غالبية الدول ضريبة القيمة المضافة تصل في المتوسط إلى 25 %. ويتوقع أن تصل إجمالي الإيرادات الإضافية غير النفطية إلى حوالي 152 مليار ريال في عام 2020.
هدف تحفيز القطاع الخاص
فقد تم اقتراح إنشاء صندوق لتوفير رأس مال لجذب استثمارات القطاع الخاص يمكّنه من رفع كفاءته وتنافسيته، حيث سيتم توجيه هذا الدعم للقطاعات التي تدعم النمو الاقتصادي وتوفر فرص العمل للسعوديين، مع التركيز على رفع كفاءة الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة، تحويل الصناعات كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة إلى صناعات تعتمد على التقنية، ودعم الصناعات كثيفة الاستهلاك للمياه لتمكينها من الحفاظ على ربحيتها.
أيضا تم اقتراح وتحديد حجم حزمة التحفيز بنحو 200 مليار ريال خلال الفترة (2017-2020) للمساهمة في تعزيز النمو الاقتصادي، ودعم قدرات الاقتصاد السعودي.
نتائج مبشرة لميزانية الربع الثاني
أعلنت وزارة المالية نتائج الميزانية الفعلية للربع الثاني من عام 2017، وقد جاءت المؤشرات المالية لأداء الميزانية العامة للدولة للربع الثاني لعام (2017) إيجابية، ليس في كل أرقامها. فقد بلغ إجمالي الإيرادات للربع الثاني 163.9 مليار ريال, مسجلةً ارتفاعاً بنسبة (6 %) عن الربع المماثل من العام الماضي. وتنقسم هذه الإيرادات إلى جزء نفطي بقيمة 100.9 مليار ريال، بمعدل نمو 28 % عن الربع المماثل من العام الماضي، بجانب قسم آخر (الإيرادات غير النفطية) بقيمة 62.9 مليار ريال. وكل مؤشرات الإيرادات سجلت ارتفاعا عن مثيلتها للربع الثاني من العام الماضي، الأمر الذي يعطي دلالات إيجابية على تحسن مجمل الإيرادات هذا العام عن مستواها في العام الماضي.
على النقيض سجلت المصروفات انضباطا شديدا خلال الربع الثاني، حيث انخفضت عن مستواها في الربع المماثل من العام الماضي بنسبة 1.3 %، فقد بلغ مجمل المصروفات 210.4 مليارات ريال. وبناء عليه، فقد تراجع مستوى العجز في الربع الثاني بنسبة 20 % مقارنة بمستواه في الربع المماثل من العام الماضي. كذلك الأمر الملفت في مصروفات النصف الأول لعام 2017 تراجع العديد من بنودها بشكل قوي، على رأسها الإنفاق على السلع والخدمات التي تراجعت من 66.3 مليار ريال في النصف الأول من 2016 إلى 43.9 مليار ريال للنصف الأول من 2017 محققة نسبة تراجع بنحو 34 %، وهي من البنود التي كانت تشهد ارتفاعات متتالية من سنة لأخرى في ميزانيات الأعوام السابقة. ويكفي أن نشيد بإنجازات رؤية 2030 في ضبط هذه المصروفات.
بزوغ بدايات الاقتصاد اللا نفطي
في كل اقتصاديات العالم، تمثل الضرائب الجزء الرئيسي في ميزانياتها الفعلية، ولسنوات طويلة كانت إيرادات النفط هي المسيطرة على إيرادات الدولة بالمملكة، في سياق ميزانية النصف الأول من هذا العام ظهر جليا بروز واستقرار إيرادات ضريبية والتي ناهزت نسبة 30.8 % من إجمالي الإيرادات الحكومية، وهي نسبة معتدلة وبداية التنويع الاقتصادي. وهذه النسبة تبعث على اللاقلق لأنها بدأت تمثل نسبة معنوية مقارنة بمجمل المصروفات والتي بدأت خلال النصف الأول من العام حوالي 380.7 مليار ريال. فكون الإيرادات غير النفطية تصل لنسبة 24.9 % من مجمل المصروفات الحكومية، فهذا مؤشر تحسن لإدارة الميزانية السعودية، رغم أنّ المملكة لم تطبق كل السياسات المالية المخططة في سياق رؤية 2030 حتى هذه اللحظة.
لأول مرة 63 مليار ريال
إيرادات ضريبية
شهدت الإيرادات غير النفطية أو إيرادات الضرائب تحسناً كبيراً خلال الربع الثاني مقارنة بالربع الأول من هذا العام، حيث ارتفعت من 32.1 مليار ريال إلى 62.9 مليار ريال. ومن أبرز بنود التحسن، الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الراسمالية والتي من أهمها دخل الشركات والمنشآت الأجنبية التي أحرزت زيادة من 2.0 مليار ريال للربع الأول إلى 7.2 مليار ريال للربع الثاني من هذا العام.
وتعتقد وحدة أبحاث الجزيرة أن تحسن جني الإيرادات الضريبية يمكن أن يضع ميزانية المملكة في مصاف ميزانيات الدول المستقرة اقتصاديا ويضمن تحقيق التنويع الاقتصادي الكامل، فمع نهاية هذا العام يوجد احتمالان للإيرادات غير النفطية، إما أن تحقق المملكة إيرادات بنحو 189.8 مليار ريال، تحت افتراض أن الربعين سيكونا بشكل مماثل لقيمة الربع الأول والثاني، وهذا يقترب كثيرا من مستويات ميزانية العام السابق والتي بلغت إيراداتها غير النفطية حوالي 199 مليار ريال.
إلا إن الاحتمال الأكبر هو أن تصل قيمة الإيرادات غير النفطية لهذا العام حوالي (221) مليار ريال، تحت افتراض أن مستويات الربعين الثالث والرابع ستماثل مستوى إيرادات الربع الثاني، نتيجة تطبيق سياسات التوازن المالي الجديدة والتي بدأ تطبيقها منذ بداية العام. ويزيد هذا المستوى المتوقع عن المستوى المقدر للإيرادات النفطية (212) مليار ريال بنسبة 4 %، وهذا يمثل نجاح جديد لإدارة الميزانية.
ولو افترضنا حدوث هذا السيناريو، ومع افتراض حدوث مصروفات حكومية بقيمة 890 مليار ريال في نهاية هذا العام، فإن الإيرادات غير النفطية ستغطي نسبة 25 % من مجمل المصروفات الحكومية، وهذا مؤشر ارتياح بأن تستطيع الإيرادات غير النفطية وحدها تغطية ربع النفقات الحكومية ككل.
كما أن كل المؤشرات تؤكد حدوث تحسن حقيقي في مفاصل الأداء المالي للمملكة خلال العام الأخير وهو أداء مختلف تماما عن سابقه في السنوات السابقة، وهنا لا نقارن بالقيم ولا بالكميات، ولكن نقارن المضمون، الذي بات أكثر نقاء في إيراداته، التي أصبحت تتأتى من مصادر أكثر ديمومة، مصادر لا تنضب، مصادر تحقق اقتصادا حديثا وعصريا، يضاهي اقتصاديات مجموعة العشرين الذي بات الاقتصاد السعودي يتربع وسطها.