أجمع الباحثون والمؤرخون الذين عرفوا الملك المؤسس عن قرب أو درسوا تاريخه بعد وفاته على تفرد شخصيته، ويتفق معهم من تلقوا واستقوا معلوماتهم من الرجال المنصفين ممن عملوا مع جلالته ورافقوه بدروب المجد والكفاح أبان مرحلة التأسيس والتوحيد، ويلتقي هذا الإجماع مع ما خبره وعرفه مواطنو المملكة عما حفلت به شخصية الموحد البطل من سمو أخلاق وسجايا حميدة، وما وهبه الله من حكمة وروية وتبصر في كافة الأمور والقضايا، بل إن جلالته عُدَّ من المدارس الكبرى التي تنهل منها الأجيال الدروس والعلوم في الكفاح والصبر والبطولة والحكمة والرشاد، كما أن شخصية جلالته متعددة الجوانب والمواهب القيادية الملفتة، جمع من الفضائل أعلاها ومن السجايا أطيبها، ومن المكارم أزكاها، جعل الإنسان المواطن همه وشغله الشاغل لتنمية موارده ورفاهية عيشة وطمأنينته، العلم والمعرفة عند المؤسس من الأسس التي بنى عليها تنوير شعبه وتطوير دولته، ومع الاهتمام بالتنمية والتعليم والدفاع لم ينس رحمه الله العناية بالحرمين الشريفين وخدمة ضيوف الرحمن، هنا ومضات عن شخصيته الفريدة ومن وفائه وعدله.
دراسات تتناول شخصية المؤسس
لخصت الندوة العلمية عن الجوانب الإنسانية والاجتماعية في تاريخ الملك عبد العزيز التي نظمها (كرسي سلمان بن عبد العزيز للدراسات التاريخية والحضارية للجزيرة العربية بجامعة الملك سعود) منذ فترة مضت وسط حضور من الباحثين والباحثات والمهتمين بتاريخ الملك عبد العزيز رحمه الله وطلاب الدراسات العليا في مجال التاريخ من مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، لخصت جوانب هامة من شخصية الملك المؤسس، احتوتها البحوث والأوراق المقدمة خلال الندوة من نخبة من المتخصصين وهذه مقتطفات مما جاء فيها:
فقد أكدت ورقة بحثية عمق العلاقة التاريخية بين وسط الجزيرة العربية وشرقها في عهد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه من خلال العلاقات الوطيدة بين الملك المؤسس رحمه الله وبعض من أعيان حاضرة القطيف في تلك الفترة، فيما تناولت ورقة أخرى بعنوان (الملك عبدالعزيز ورعايته لليمنيين في بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية) مواقف جلالته رحمه الله المناصرة للعرب والمسلمين وتضمنت رؤية توضيحية عن العلاقة التي سادت بين بريطانيا واليمن من جانب، واليمن والسعودية من جانب آخر أثناء فترة الحرب العالمية الثانية في ظل توتر العلاقات بين بريطانيا والإمام يحيى بن حميد، وتناولت ورقة ماثلة (مواقف إنسانية للملك عبدالعزيز من واقع الوثائق العثمانية) تحدثت عما تضمنته الوثائق العثمانية في الأرشيف العثماني بإسطنبول وأرشيف الجمهورية في أنقرة حول شخصية جلالته، وخصصت إحدى الباحثات بحثها بالندوة عن (مكانة المرأة لدى المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن) وأوردت مواقف عدة وإشارات تاريخية لعلاقة الملك عبدالعزيز مع المرأة تدلل على مكانتها العالية لديه رحمه الله وإيمانه الراسخ بدورها في بناء النهضة التنموية بالمملكة العربية السعودية ودورها لخدمة دينها وبلادها، وأكد أحد الباحثين على علاقة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه مع الأمراء وأعيان البلاد من خلال بحثه الذي جاء بعنوان (الجانب الإنساني في مراسلات الملك عبدالعزيز رحمه الله مع أمراء وأعيان البلدان.. سدير نموذجاً) فقدم شواهد وثائقية عن التزام الملك عبدالعزيز في مراسلاته للأمراء والأعيان في سدير بعبارات أخوية تعكس الاحترام المتبادل وأريحية الملك القائد في تعامله مع رعيته على أسس التواضع والبساطة وسمو الأخلاق، وتطرق باحث آخر إلى (رعاية الملك عبدالعزيز للأيتام وتأسيس دور لهم في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض) تناول فيه الباحث البعد الاجتماعي الذي يسير مسار الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية والتعليمية والصحية التي رافقت مسيرة التوحيد، كما قدم أحد الباحثين قراءة تحليلية لشخصية الملك عبدالعزيز من منظور إنساني طبقها على مجموعة من المواقف النبيلة من تصرفات جلالته العفوية الصادقة الواردة في مؤلفات المؤرخين بصفتها شواهد متواترة من حياة الملك المؤسس طيب الله ثراه.
مواهب حربية وإدارية وإنسانية
وحول مواقف الملك عبد العزيز وصفاته الإنسانية طرح أحد المختصين بالندوة المذكورة ورقة علمية بعنوان (إنسانية الملك عبد العزيز في الميدانين الإداري والحربي) ركز فيهما على استطلاع دور إنسانية الملك عبد العزيز بالبناء الإداري للمملكة العربية السعودية وتعميم هذه الإنسانية وتأصيلها بالعمل الحكومي بصفته الحاكم للدولة ودور مثل هذه الإدارة الإنسانية في نشر مظلتها على المملكة شاسعة المساحة ومتعددة الثقافات، وبهذا العنوان (الملك عبد العزيز بين المقدرة والعفو) عنونت باحثة أكاديمية متخصصة من جامعة أم القرى بحثها الذي أثبتت من خلاله السمة الواضحة في شخصية الملك عبد العزيز التي أدهشت كثيراً من الباحثين وقبلهم أعداءه أنفسهم وأرجعت الباحثة الصفة التي تسمو بها النفس وتعلو عن الصغائر والضغائن إلى الهدف الأسمى للملك عبد العزيز في بناء الوطن، وجاءت ورقة العمل (الملك عبد العزيز في كتب الرحلات، رصد معالم الشخصية ومجالات العطاء) لأحد المختصين من جامعة أم القرى بمكة المكرمة، وبرر الباحث اختياره لكتب الرحلات لما فيها من الحيادية والجدية بعيداً عن الاجتهاد الذي قد تحكمه العاطفة.
وقدمت ورقة من أحد المتخصصين الأكاديميين كدراسة وثائقية تحليلية عن (إنسانية الملك عبد العزيز من خلال الوثائق) استنبط من خلال وثائق تاريخية تمثل بعض رسائل الملك عبد العزيز إلى شرائح اجتماعية مختلفة إنسانية الملك عبد العزيز والقيم النبيلة السامية التي كانت تحكم علاقة المؤسس بالناس عامة، كما قدّمت إحدى المتخصصات من جامعة الملك سعود ورقة عمل نوعية تتحدث عن رعاية الملك عبدالعزيز لفئة اجتماعية معينة هي المطوفون، وذلك تحت نفس العنوان (الجوانب الإنسانية في رعاية الملك عبدالعزيز للمطوفين) تطرقت فيها إلى الدعم والرعاية التي حظي بها المطوفون حيث ضمن لهم عهد الملك عبدالعزيز كامل حقوقهم دون أن يؤثر ذلك سلباً في حقوق المهن الأخرى، وانفردت إحدى أوراق العمل للحديث عن العلاقات الحميمية والإنسانية في رسائل الملك عبد العزيز الشخصية والإدارية لمنطقة عسير خلال الفترة 1338ـ 1373هـ / 1920ـ 1953م تحدث فيها مقدمها عن جملة من السجايا في شخصية الملك عبدالعزيز من خلال ما في تلك الرسائل من الاحترام والود والشفافية من حيث لغتها المكتوبة بها، والتدين والرحمة والاعتذار والكرم والتواصل مع رؤساء القبائل والأهالي والاهتمام بالفقراء والمحتاجين من خلال موضوعها ومادتها التاريخية.
الاعتدال في حياة المؤسس
هذا العنوان هو لمحاضرة للمرحوم بإذن الله معالي الدكتور محمد عبده يماني تحدث من خلالها عن الاعتدال المحمود بحياة الملك عبد العزيز رحمه الله، فمما جاء فيها قوله: ومن ينظر في حياة الملك عبد العزيز رحمه الله يجد أنه رحمه الله حرص منذ البداية على أن يجعل الدين هو أساس حياة هذه الأمة وفي الوقت نفسه ورغم الظروف التي مرت به عمل بقدر المستطاع على معالجة الأمور بحكمة وروية في بعض الأحيان، وشدة وصرامة في الدفاع عن حرمات الله فجاءت طريقته في الحكم تمثل صورة من صور الاعتدال التي ساهمت في نجاحه، وأضاف: ولا شك أن حياة الملك عبد العزيز صورة مشرقة لزعيم صلب، وقائد فذ ورجل وإنسان تعامل مع الأحداث برجولة وحزم وعفاف، وبعد نظر، وقدرة فذة على القيادة، وكان كريما، وعلى خلق، يكرم الرجال، ويحترم الناس، ويحسن التعامل مع الأحداث، ويتصرف بحكمة ووعي ومسئولية، ولا شك أنه خلف ذخيرة كبيرة من الأعمال والأفعال والتصرفات التي تستحق الوقوف عندها، والنظر إليها وتحليلها بعمق.
وثمت كتاب ضم صوراً من عفوه وصفحه هو كتاب (من شيم الملك عبد العزيز) تأليف الأستاذ فهد المارك رحمه الله، جاء فيه أنه غفر الله له تعامل مع رجال قاتلوه وقاتلهم ولو تمكنوا منه لقتلوه فيتمكن منهم ثم يعفو ثم لا يكفي هذا بل يقربهم ويدنيهم ويجعلهم الوزراء والأمراء والمستشارين وأصحاب السر، ما يدل على أن المؤسس الفذ قد نهل من العلم ما يجعله يخشى الله ويتقيه بنية صادقة، فقد طغى على شخصية جلالة الملك عبد العزيز طيب الله ثراه طابع الفضيلة، فمن يتتبع سيرته رحمه الله يجد أن من خصاله العفو مع المقدرة على العقاب، والصفح وإن طال العتاب، والوفاء حتى مع من كانوا معارضين أو أعداء.
جعل الدين منهجاً للأمة
ومن ينظر في حياة الملك عبد العزيز رحمه الله يجد أنه قد حرص منذ البداية على أن يجعل الدين أساس حياة هذه الأمة وفي ذات الوقت ورغم الظروف التي مرت به عمل بقدر المستطاع على معالجة الأمور بحكمة وروية في بعض الأحيان، وشدة وصرامة في الدفاع عن حرمات الله فجاءت طريقته في الحكم تمثل صورة من صور الاعتدال التي ساهمت في نجاحه، ولا شك أن حياة الملك عبد العزيز صورة مشرقة لزعيم صلب، وقائد فذ ورجل وإنسان تعامل مع الأحداث برجولة وحزم وعفاف وبعد نظر وقدرة فذة على القيادة، وكان كريما وعلى خلق يكرم الرجال ويحترم الناس ويحسن التعامل مع الأحداث، ويتصرف بحكمة ووعي ومسئولية، ولا شك أنه خلف ذخيرة كبيرة من الأعمال والأفعال والتصرفات التي تستحق الوقوف عندها والنظر إليها وتحليلها بعمق، ومن ينظر في حياة المؤسس يلاحظ أنه ليس في حاجة إلى مديح ولا يضيف المديح إلى مكانته أي شيء، وإنما يقتضي الأمر التعمق في مسيرة حياته ومواقفه والاستفادة من تلك الجوانب وإلقاء الضوء عليها بصورة تساهم في إعطاء أجيالنا الحاضرة صورة حقيقية عن حياة الملك عبد العزيز، فقد كان الرجل زعيما وملكا كبير النفس عالي الهمم، وفيا لمبادئه ولمن حوله ومن معه، شهد له بذلك الأصدقاء والأعداء سواء، وينصح أولاده ومن حوله بالعفة والأمانة ومخافة الله عز وجل، وهكذا ظل رمزا لهذه الأمة، لأن الحكم كان يعني عنده الوفاء لشريعة الله ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدل بين الناس، ثم الاستثمار في الرجال والوفاء لهم، وكان رحمه الله معتزا بما وفقه الله إليه من خدمة للحرمين الشريفين ورعاية لضيوف الرحمن، ظل حتى اللحظات الأخيرة وقبل أن يودع هذه الدنيا الفانية يحرص على جمع الكلمة، ووحدة الصف والعدل والإنصاف والمروءات، وإعطاء كل ذي حق حقه.