د. محمد عبدالله الخازم
عرّف ابن منظور الوطن في معجمه لسان العرب، بأنه المنزل الذي يقيم به الإنسان، واختلف العامة في تعريفهم تجاه الوطن، فالبعض يرى الوطن بالأرض الجغرافية التي تعود إليها جذورك وهويتك الثقافية، فيما يراه الآخرون مكان رزقك ومعاشك. الرومانسيون يختزلونه في وجوه أحبتهم، حيث يمثل الوطن واحداً من أهم المواضيع الملهمة للأدباء والشعراء وكلٌ منهم تناوله حسب وجهة نظره بالحب أو الفخر أو الشوق أو الحنين وربما العتاب!
هذه الصورة الوردية لا تنطبق في السياسة، لأنّ الوطن والدفاع عن أرضه وحدوده وأمنه وكرامة أبنائه، من أهم الأسباب لنجاح الحكومات أو إخفاقها. تقدس كافة شعوب العالم الموت من أجل الوطن، ففي بقاع العالم تجد نصب الجندي رمزية لكل الشهداء وتحتفي بالشهداء، لكن ماذا عن الحياة من أجل الوطن، قيمة الحياة من أجل الوطن؟ حين تهتم بحياتك وجودتها وإنتاجيتك وخدمة المجتمع، أنت هنا تمنح الوطن الكثير دون خسائر وفقد.
بسبب التحفظات الدينية لم يكن اليوم الوطني ذا حضور وذاكرة في وجدان السعوديين لسنوات طوال، كان يعبر سنتهم كأي يوم اعتيادي. لم يكن لهذا اليوم أي مظاهر احتفالية سواء بالشارع أو المدرسة أو الإعلام، إلى أن تم اعتماده يوم إجازة رسمية وتغير تعامل الشعب معه بكافة شرائحه. ترفرف الأعلام في السماء وتصدح الأغاني وتتنافس المدارس فيما بينها على الابتكار في طرق الاحتفال بهذا اليوم، وترتفع مبيعات المخابز ومحلات الحلويات والملابس، وتزدحم الشوارع وترتفع نسبة الحوادث، وينتهي اليوم ونصحو غداً على يوم جديد ونعود لممارسة ما اعتدنا فعله، وكأننا اختزلنا الوطن بصورة استهلاكية قابلة للعرض مرة في السنة.
ماذا يحدث لو أننا احتفلنا بيوم الوطن بما سبق مع التعزيز على أهمية احترام أنظمة المرور، المحافظة على البيئة، زراعة شجرة أمام المنزل، الحد من هدر الماء والكهرباء، نبذ التعصب المذهبي والقبلي، تعزيز أهمية العلم في بناء الأوطان، الإخلاص في العمل والعطاء الإنساني والخيري، الخ.
من المؤسف أن البعض يفضل الاحتفال خارج الوطن في يومه. حسب ما ورد في أحد التقارير الصحيفة العام المنصرم، فإن اليوم الوطني سجل ارتفاعاً في الطلب على الحجوزات بنسبة 30% وكان عدد المتوقع عبورهم عبر جسر الملك فهد للبحرين 350 ألفاً، وهذا يجعلنا نتساءل ما الذي يدفع المواطن للسفر بعيداً عن الوطن في يومه ؟
ربما نحتاج إشراك أولئك المغادرين في رسم خططنا الترفيهية والسياحية والثقافية عبر التعرف على مبرراتهم وتطلعاتهم بهذا الخصوص. هذا الوطن يشبه الفسيفساء بتنوعه الجغرافي والثقافي، مما يجعله مجالاً خصباً لصناع السياحة والترويح والثقافة. رؤية 2030 تركز على ذلك كأحد مصادر تنويع الدخل، فهل يكون شعارنا « قبل جذب سائح أجنبي اجذب المواطن المغادر في يوم الوطن»؟
كل عام والوطن بخير. باسم الوطن سأزرع أمام منزلي (المؤقت) في كندا شتلة تعلن حبي لوطني الغالي.
هذه السنة يحتفل وطننا الغالي بيومه الوطني بكافه قطاعاته ومؤسساته، ونجدد دعواتنا لحماة الوطن في الحد الجنوبي بالرحمة للشهداء وعودة الجنود لبيوتهم وأهاليهم سالمين.