محمد بن عبدالله آل شملان
يتربّع علم المملكة العربية السعودية في قلوب السعوديين، ويشعرون بالفخر والاعتزاز وهم يرفعونه عالياً، ويتفاخرون به أينما رأوه في أي مكان في العالم، وهو يخفق عالياً.
إنه ليس مجرد قطعة قماش بلونين.. إنه قطعة من القلب، وجزء لا يتجزأ من الروح، فليس غريباً أن نرى حب المواطنين لعلم وطنهم، ولن يكون غريباً عشقهم لهذه القطعة الغالية على قلوبهم، والعالية في أرواحهم، والساكنة في ضميرهم.
لقد عوّدنا (محبّ العلم) خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - على تقبيل علم وطنه الذي هو رمز عزنا وفخرنا، فتحتَ هذه الراية حققنا الإنجازات، وبها نتقدم نحو المستقبل بثبات.
إنه سلمان.. الذي يتذكّر الحلم الوردي الذي داعب والده المؤسس عبدالعزيز - طيب الله ثراه - وقد استوى على عوده.. والحلم في ضمير العصاميين يتحوّل إلى واقع تتكسر أمام اندفاعاته كل مظاهر الوجل.. وكل ظواهر التردّد.. كيف لا؟!.. ووالده عبدالعزيز تطلّع إلى مسقط آبائه وأجداده.. إلى ترابه وتراثه ممزّقاً تذروه رياح الصراع القبلي والعشائري فما تبقى لطرف من راحة.. ولا لنفس من استراحة..
يتذكّر سلمان.. حين وُلِد الحلم في ضمير الصقر المتوثّب من قلب الجزيرة - طيب الله ثراه -، كانت عباءة الليل تغطّي كل مساحات الأرض.. وكان هو ذلك النجم المشرق الوضاء الذي يلوح للرائي من بعيد يشق في جسارة طريقه نحو الصحراء الموحشة بكل تداعيات أطرافها.. وبكل تمزّقات دواخلها.. كان يدرك بحسه الجسور أن الحلم لكي يرقى إلى واقع لا بد له من اقتحام والتحام في حجم المخاطر وفي قوة ضراوتها..
« الإيمان أولاً: وهو عقيدة لديه..
« الأمان ثانياً، ومن أجل تحقيقه لا بد من تقليم أظافر الشر..
إنها بالنسبة إلى الشاب الطموح معركة توحيد وتوحّد.. معركة إسلام وسلام، ومن أجل هذا كانت خطواته الواثقة تذرع أرض الجزيرة شمالاً وجنوباً.. وشرقاً وغرباً.. تظلِّلها راية خضراء تنطق بالشهادتين.. وهل بعدهما من شهادة؟!، كان الاستشهاد بالنسبة إليه تماماً هي الحياة.. إنها رسالة يسهل دونها كل شيء..
يتذكّر سلمان.. مُضِيَّ والده الفارس (عبدالعزيز) وهو يمتطي صهوة جواده ومن حول أولئك الذين آمنوا بنبل أهدافه.. ووسط تيار الفتن المتراكمة والصراعات والفوضى وضوضاء الخارجين على القانون كانت كوكبة الفتح ترسم حدودها الجديدة القديمة.. ولكن بخطوط محسوبة ذات مضامين حيّة داخل إطار لمّ الشمل.. ونزع فتيل الصراعات والتشرذم..
كان حسّ الانتماء الوطني قبلها يخضع لمعايير ضيقة.. وكانت روح القبيلة وحدها في مفهومها الضيق هي التي تتحرك عبر الساحة أخذاً.. وعطاء.. اكتفاء.. وانكفاء.. كان غبار الصراعات العشائرية أكبر كثافة من ذلك الغبار الذي تثيره رياح الصحراء.. ومن أجل كل هذا تحرّك الفارس.. وتحقق الحلم.. بميلاد مملكتنا الحبيبة.. ولكن كيف؟! وماذا بعد؟!!.
يتذكّر سلمان.. استطاعة الملك عبدالعزيز ببعد نظره ومن منطلق الترغيب والترهيب أن يكبح جماح الكثيرين ممن كانت لهم معه وقفات غير مستأنسة.. فإذا بخصومه من حوله يتسارعون.. وإذا بخصومه من حوله بعد أن كانوا بعيداً عنه يتصارعون. وإذْ به يلوّح كما يلوح الفارس لجنوده قائلاً: تعالوا إلى كلمة سواء أن لا إله إلا الله.. وأن محمداً رسول الله.. فلا وثنية بعد اليوم.. ولا أضرحة يتمسح بها بعد اليوم.. ولا اقتتال ولا فتنة اليوم.. ولا عبودية إلا لله وحده.
مبادئ للحكم اتخذ منها منهجاً يلغي بها تلك النزعات والنزغات الشيطانية التي كانت تتحكم في سلوك البعض.. زرعها مجتمع مريض مفكك.
وماذا بعد..؟
يتذكّر سلمان.. يوم أن أصبح الحلم حقيقة.. يوم أن توحّدت المملكة الشاسعة الواسعة.. ولملمتْ أطرافها.. يوم أنْ أمِنتْ بعد خوف.. وآمنتْ بعد ريبة.. وترسّخت بعد فوضى.. وتحركّت بعد جمود.. وتحدّثت بعد صمت الأموات.. ورفعت رايتها خفاقة تعانق السماء كأول راية للتوحيد في عالمنا العربي.
من يومها بدأ التاريخ الحديث لوطننا يملي سطوره، ويفرض وجوده، ويتحدث عن ميلاد مملكة كانت شتاتاً منسيّة، وإذا بها وبفضل موحدها ملء السمع والبصر.. «إنه عبدالعزيز آل سعود» صقر الجزيرة.. وإنها «المملكة العربية السعودية» التي سنحتفي جميعاً بيومها الوطني الـ87.
ليكن احتفالنا باليوم الوطني الـ87، احتفالاً عظيماً، وليتنشر في كل أرجاء الوطن، في كل إمارة ومدينة وقرية وحارة، وليرفرف على كل وزارة ودائرة وشركة.. فهو يوم للاعتزاز بأغلى ما نملك، وهو يوم يفتخر به كل سعودي، بل وكل من يعيش على أرضها، عربياً كان أم أجنبياً، بعَلَم وطن حقق أبناؤه الإنجازات والنجاحات، ودولة استقبلت الجميع، ولم تفرق بين غريب وقريب، فكانت السعادة فيها من نصيب الجميع.
إنه يوم للاحتفال براية يحميها جنودنا الأبطال المرابطون على الحد الجنوبي، ويقدِّمون أرواحهم ودماءهم من أجل حمايتها وصونها وبقائها عالية خفاقة، ففي هذا اليوم لن ينسى ملكنا سلمان ولن ننسى أولئك الأبطال الذين يحمون الوطن، ويصدون الطامع والمعتدي الغريب، كما لن ينسى ملكنا سلمان ولن ننسى شهداءنا الأبرار الذين ضحوا بأرواحهم تحت راية الوطن، وكان كفنهم العلم.
ليكن احتفالنا كبيراً بحجم حبِّنا لهذا الوطن، وبقدر احترامنا لكل شيء فيه، وبحجم تقديرنا لكل من يعيش تحته، ولندعُ الصغار قبل الكبار كي يقبّلوا علم وطنهم ويرفعوه عالياً في هذا اليوم وفي كل يوم، وألا يتوقفوا عن ترديد نشيدنا الوطني.. وأن نتعاهد على أن يبقى العلم الذي رفعه المغفور له بإذن الله تعالى الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - قبل 87 عاماً، خفّاقاً عالياً إلى الأبد، وأن يبقى رمزنا الخالد الذي نلتف حوله جيلاً بعد جيل.
رحم الله الملك المؤسس عبدالعزيز وأسكنه فسيح جناته. ووفق الله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، إلى تحقيق آماله وآمالنا، وإلى كل ما فيه خير الإسلام والمسلمين.